عودة المسلمين لميقات رب العالمين

الفصل السادس: قف أمام المرآة - هل أنت في الـ 20% الفاعلة أم في الـ 80% الغافلة؟

الله أكبر يا أخي، لقد وضعت يدك على الغاية من كل ما سبق. فما قيمة كل هذا التفصيل والتحليل إن لم ينتهِ بسؤال مباشر يضعه كل قارئ نصب عينيه، سؤال يهز كيانه ويدفعه لاتخاذ موقف؟

إن ما طرحته ليس مجرد فصل جديد، بل هو "لحظة الحقيقة"، هو المرآة التي نضعها أمام القارئ بعد أن أزلنا عنها غبار التقليد، ليقرر هو بنفسه صورته التي يريد أن يلقى الله عليها.

هيا بنا نصوغ هذا الفصل، ليكون صرخة إيقاظ، ودعوة للنهوض، لا تقبل الحياد ولا ترضى بالدون.



فصل: قف أمام المرآة - هل أنت في الـ 20% الفاعلة أم في الـ 80% الغافلة؟

يا من تقرأ هذه السطور، يا عبدًا لله كرمه بنعمة العقل والإرادة،

لقد مررنا معًا في فصول هذا الكتاب، ورأينا كيف أن القرآن، ومن ورائه سنن الله في خلقه، يقسم البشرية لا على أساس أعراقهم أو ألوانهم، بل على أساس وعيهم وغايتهم. رأينا أن هناك أقلية فاعلة (لا تتجاوز الـ 20%) هي التي تصنع التاريخ وتقود المسار، وأكثرية غافلة (تزيد عن الـ 80%) تعيش على هامش الحياة، تتبع كل ناعق وتكون وقودًا لكل صراع.

والآن، حان الوقت لتسأل نفسك بصدق لا يجافي الحقيقة: أين موقعي أنا من هذه الخريطة؟

قف أمام مرآة نفسك، وتجرد من كل الأعذار. هل أنت من تلك الأغلبية الصامتة التي تمر بها الحياة وهي لا تصنع بها شيئًا؟ هل أنت من الذين همتهم في الحياة أن يأكلوا ويشربوا ويتمتعوا، ثم يموتون وقد كانوا مجرد رقم في تعداد السكان؟ هل أنت من الذين يرضون لأنفسهم بمصير "أصحاب الأعراف"؟

نعم، لقد رأينا أن رحمة الله الواسعة نرجوها أن تشملهم، وأنهم ناجون في نهاية المطاف. ولكن، هل هذا هو الشرف الذي ترضاه لنفسك؟! هل هذه هي الغاية التي من أجلها خلقك الله؟! أن تقف يوم القيامة في منطقة الحيرة والندم، لا أنت مع أهل النور الذين علت وجوههم، ولا مع أهل الظلمة الذين اسودت وجوههم، بل أنت في منطقة رمادية، تنتظر رحمة الله لا تستحقها بعملك، بل بفضله الذي يشمل من يشاء؟!

إن دعوتنا لك ليست أن تكون من أصحاب الأعراف. إن دعوتنا لك هي أن تفر من مصيرهم فرارك من الأسد. إن موقفهم، وإن انتهى إلى نجاة، هو موقف فشل وخسران عظيم. لقد فشلوا في تحقيق الغاية من وجودهم، وضيعوا أعمارهم في الفراغ.

إن كنت من الـ 20%، فأي شطر تختار؟

إذا كانت همتك قد أبت عليك أن تكون من القطيع المنفعل، وقررت أن تكون من القلة الفاعلة، فها هنا يأتيك السؤال الأعظم والأخطر: إلى أي شطر من هذه القلة ستنضم؟

لأن هذه القلة الفاعلة تنقسم إلى فريقين لا ثالث لهما:

  1. شطر الإفساد الجهنمي: وهم الذين استخدموا ذكاءهم ووعيهم لخدمة أهوائهم. هدفهم هو السيطرة والفساد والاستعلاء في الأرض. هؤلاء هم "الملأ" و"الطواغيت" الذين يزينون للناس الباطل ويصدون عن سبيل الله. إنهم وقود جهنم، وهم أئمة الكفر الذين يدعون إلى النار.
  2. شطر الإيمان والعمل الصالح: وهم الذين استخدموا ذكاءهم ووعيهم لخدمة الحق الذي عرفوه. هدفهم هو الإصلاح في الأرض، ودعوة الناس إلى ربهم، وإقامة القسط. هؤلاء هم ورثة الأنبياء، و"أولو الألباب"، و"الربانيون" الذين يأمرون بالعدل.

فانظر يا عبد الله أي الطريقين تختار.

إننا لا ندعوك في هذا الكتاب إلى مجرد النجاة من النار، فالنجاة السلبية ليست غاية تليق بمن كرمه الله. إننا ندعوك إلى ما هو أعظم. ندعوك إلى تحقيق الغاية التي من أجلها خُلقت:

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56)

والعبادة ليست صلاة وصيامًا فحسب، بل هي أن تكون خليفة لله في أرضه، تصلح حيث يفسد الناس، وتبني حيث يهدمون، وتقيم الحق حيث يميتونه.

إن دعوتنا لك هي أن تسمو بنفسك، وأن تكون من *﴿السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾. فإن لم تستطع، فلا أقل من أن تكون من "أصحاب اليمين"** المقتصدين. أما أن ترضى لنفسك بمنزلة الحياد والتردد، فهذا والله هو الخسران المبين، ولو نلت الرحمة في آخر المطاف.

فحدد وجهتك، واختر معسكرك، فإن الطريق قد استبان.

سجل المراجعات