المقدمة : لماذا القرآن وحده؟
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
المنهج: لماذا القرآن وحده؟
"بين يدي هذا الكتاب، لا نقف موقف المؤلف الذي يقدم رأيه، ولا موقف الفقيه الذي يستنبط حكمه، بل نقف موقف الأخ الناصح، والرفيق في رحلة العودة إلى الله. رحلةٌ لا نحمل فيها زادًا إلا كلام ربنا، ولا نستضيء فيها بنورٍ إلا نور كتابه. إنها دعوة صادقة للتحرر من أغلال التقليد، وكسر قيود التبعية، والاعتصام بحبل الله المتين الذي لا ينقطع: القرآن الكريم.
لقد تفرقت الأمة شيعًا وأحزابًا، وتنازعتها الأهواء، ومزقتها الاختلافات حتى صار الدين الواحد أديانًا، والشريعة السمحة شرائع. وإن الناظر بعين البصيرة ليرى أن أصل هذا الشتات، وجذر هذا الضعف، هو يوم أن هجرت الأمة مصدر عزتها ومنبع هدايتها، يوم أن تركت النبع الصافي لتشرب من سواقٍ كدرة، يوم أن استبدلت كلام الله المحكم المفصل بأقوال الرجال الظنية المختلفة.
وهنا يأتي السؤال الجوهري الذي هو أساس هذا الكتاب ومنهجه: لماذا القرآن وحده؟
لأن الله، وهو خالقنا وربنا، قد شهد لكتابه بالتمام والكمال والبيان، شهادة تقطع كل عذر وتلجم كل حجة. قال سبحانه وهو أصدق القائلين:
﴿...وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل: 89).
﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ...﴾ (الأنعام: 38).
﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ (هود: 1).
فهل بعد شهادة الله شهادة؟ وهل بعد بيانه بيان؟ إن الله لم ينزل كتابًا غامضًا أو ألغازًا مشفرة لا يفكها إلا طبقة كهنوتية من الأحبار والرهبان، بل أنزله ﴿...هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ...﴾. هو النور المبين، والفرقان الذي يفصل بين الحق والباطل.
والبرهان الثاني على وجوب العودة إلى القرآن وحده، هو ما نراه بأعيننا من واقع "الفقه الحبري". انظر إلى ذلك الاختلاف الكثير الذي حذر منه القرآن نفسه، وجعله علامة على أن مصدر التشريع ليس من عند الله:
﴿...وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ (النساء: 82).
لقد اختلفوا في كل شيء تقريبًا، من أبسط أمور الطهارة إلى أعظم شعائر الدين. هذا يوجب، وذاك يستحب. هذا يحلل، وذاك يحرم. هذا يضع شروطًا، وذاك ينقضها. وكلٌ يدّعي أن معه الحق، فضاعت الأمة بين هذا الركام الهائل من الآراء المتضاربة، وصار الوصول إلى دين الله اليسير مشقة وعنتًا. إن هذا الاختلاف ليس عيبًا في الرجال، بل هو النتيجة الحتمية والطبيعية للاعتماد على مصادر بشرية ظنية، وتقديمها على النص الإلهي اليقيني المحفوظ.
إن منهجنا في هذا الكتاب هو دعوة بسيطة وواضحة: دعونا نترك هذا الاختلاف جانبًا، ونعود إلى الأصل الذي لا يختلف عليه اثنان. دعونا نتدبر القرآن كما أمرنا ربنا، لا كما قال لنا فلان وفلان. دعونا نرد كل كلمة إلى أصلها في القرآن نفسه، فهو الكتاب المثاني الذي يفسر بعضه بعضًا. دعونا نتأمل سياق الآيات، ونربط بين موضوعاتها، وننظر في تصويرها البياني المعجز.
إن حوارنا الذي أثمر هذا الكتاب هو نفسه أكبر دليل على أن القرآن مبين. لم نرجع فيه إلى كتاب تفسير أو رأي فقيه، بل رجعنا إلى الآيات مباشرة، فكشفت لنا عن نورها، وهدتنا إلى معناها، وأزالت عن أعيننا غشاوة التقليد. لقد رأينا كيف أن كلمة "البُدْن" ليست هي "الهدي"، وكيف أن "المنسك" ليس هو "الشعيرة"، وكيف أن "الوثن" الحقيقي هو "الوثن التشريعي" الذي يصرف الناس عن دين الله. كل هذه الأنوار لم تكن لتتجلى لو بقينا أسرى للفقه الموروث.
هذا الكتاب ليس دعوة لإنكار اجتهاد المجتهدين، بل هو دعوة لوضع الأمور في نصابها: القرآن أولًا، والقرآن أخيرًا. هو الحاكم والمهيمن، وما وافقه من قول فهو نور على نور، وما خالفه فهو "قول زور" يجب اجتنابه.
هيا بنا يا أخي في الله، نقلب هذه الصفحات بقلب مفتوح وعقل متحرر، لنرى كيف أن شعيرة الحج العظيمة، حين نقرأها من كتاب الله مباشرة، تختلف كليًا عن تلك الطقوس الباهتة التي ورثناها. هيا بنا لنرى كيف أراد الله لمنسكه أن يكون مؤتمرًا عالميًا للقوة والمنفعة والوحدة، وكيف حوله فقه الأحبار إلى رحلة فردية مليئة بالشقاق والمشقة والمناسك الشيطانية.
إنها رحلة العودة إلى الله.. بالاعتصام بكتاب الله. فاستمسك بالعروة الوثقى، فإنك على هدى مستقيم."