عودة المسلمين لميقات رب العالمين

براءة من المنهج لا من الأشخاص

نظراً لمعرفتي بجماعة الإخوان ومنهجهم، سأتبرأ هنا من منهجهم وفق دعوة الأنبياء، مع كامل رحمتي بهم وحبي للخير لهم. وسأؤكد على منهجي الذي أظنه منهج الأنبياء: أن أعتمد قول الحق بلا مواربة أو مداهنة، ولكن بأفضل الألفاظ والحكمة. سأعتمد البراءة الكاملة من كل منهج "شططي" شيطاني شطّ بأمتنا عن الحق، مع عدم التولي أو الموالاة لأهل المناهج المخالفة. وفي الوقت نفسه، لن أتطرق للحكم على الأعيان، وسأعترف بأن لكل فرقة مناقب ومثالب، وأن الأفراد حكمهم إلى الله، كلٌ بحسب علمه وموقعه وابتلائه، ولا أدري ما يُفعل بي ولا بكم، والله هو من يحكم بيننا ويفصل بحكمه يوم القيامة.
إن واجبنا هو أن نؤسس "فرقة الحق" الخالصة على منهج الأنبياء دون أي دخيلة، ونَكِلُ الحكم على أعيان سائر الفرق إلى الله.
لهذا سأقول، إننا لو نظرنا في منهج الإخوان من منظور قرآني بحت، سنجد مشكلتين أساسيتين، أولاهما مشكلة تأسيسية مشتركة بين كل الفرق تقريباً.
أولاً: الانحراف عن أصل دعوة الأنبياء
إن أصل الخلل يكمن في عدم تركيزهم وفهمهم الحقيقي لأصل دعوة الأنبياء، وهو التوحيد الخالص والبراءة من كل شركيات المجتمع وجاهليته وانحرافاته، سواء كانت في الحكام أم في الأتباع.
الإخوان مع هذا الأصل كانوا على النقيض تماماً. كلما وجدوا شركاً بواحاً أو كفراً صريحاً، قالوا: "لنسكت عنه الآن حتى لا نفرق الناس". فشرك الدعاء والاستعانة بغير الله عند غلاة الصوفية، وشرك الحكم والتشريع عند بقية الفرق، هم لا يفهمونه أصلاً، فضلاً عن أن يدعوا إلى ضده. ولو فهموا، لقالوا: "لو تكلمنا في هذا مع أهل الدين لفرّقناهم، ونحن نريد أن نجتمع الآن". فنسألهم: على أي شيء تجتمعون؟ فيقولون: "نجتمع على حزب سياسي يستحوذ على الحكم، ثم بعد ذلك ننظر كيف سنتفق على طريقة الحكم ومسائل العبادة، وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه".
لقد قلب هؤلاء دعوة الأنبياء رأساً على عقب. فرسل الله كان منهجهم أنهم لا يريدون أي سلطة أو مال أو مصلحة دنيوية في دعوتهم:
• ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾.
• ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا﴾.
• ﴿اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾.
أما هذه الأحزاب فلا تكتفي بأنها لا تسأل أجراً، بل تريد أن تصل إلى رأس السلطة والنفوذ. إن طلب السلطة لم يكن وسيلة ولا مطلباً للأنبياء في مطلع دعوتهم. بل إن الله لم يجعل نبياً من الأنبياء ملكاً قبل دعوته كسبيل للدعوة في قوم غير مؤمنين. ولما أتت السلطة لداود عليه السلام، أتته في مجتمع مؤمن، وباختيار إلهي، وعن استحقاق فعلي، وزاده الله بسطة في العلم والجسم.
والغريب أنه في مجتمع سلطوي شبيه بمجتمع فرعون، هل من المنطقي أن تذهب إلى رأس السلطة (فرعون مثلاً) وتقول له: "أنا أدعوك للإسلام، وأريد أن آخذ مكانك في الحكم لأني أحق منك"؟! إنها استراتيجية تنتحر مع أبسط قواعد المنطق، فضلاً عن كونها مدخولة النية ومغرضة السبيل.
إن موسى عليه السلام، حين ذهب إلى فرعون، قال له ما أمره به ربه: ﴿اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾. لقد جاء ليطمئنه قائلاً: لم آتِ لآخذ حكمك ولا طمعاً في سلطتك، بل أريد إنقاذك أنت وحاشيتك. أمسك عليك ملكك، ولكن آمن بالله لتربح الدنيا والآخرة.
إنها دعوة مختلفة جذرياً عن أن تدخل مجتمعاً وأنت تنازع أهله على السلطة، وتخلط الدين بالسياسة، وتجعل حملاتك الانتخابية قائمة على تشويه الخصوم. بهذا الفعل، أنتم تؤكدون فرية فرعون فيكم:
• ﴿إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا...﴾.
• ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ
يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ...﴾.
إن أهل القرى دائماً ما يتحسسون من أي تهديد لسلطتهم ونفوذهم، ويظنون أن أهل الإيمان جاؤوا لينازعوهم دنياهم، وهذه فرية كبرى لم تكن من سبيل الأنبياء قط. إن التآكل بالدين وتحويله إلى وسيلة لا غاية هو سبيل مهانة لمن يفعله، ومآله الفشل الذريع، وهو المأخذ الأكبر للعلمانيين على هذه الحركات.
ثانياً: الفشل المستمر والبراغماتية الخاسرة
لقد قارب عمر جماعة الإخوان المائة عام، ولا يزالون يكررون نفس الخطأ ويحصدون نفس الفشل في كل بقعة وكل أرض. انظروا إلى حالهم في مصر والسودان وتونس والأردن والجزائر؛ إن منطقهم السياسي ساذج إلى حد بعيد. هل يظنون حقاً أن خصومهم سيتركون لهم السلطة التنفيذية على طبق من فضة لمجرد أنهم فازوا في انتخابات مهندسة أصلاً لاستغلالهم لأغراض الدولة العميقة؟
إن هذا مستحيل منطقياً. فما يحدث دوماً هو أن "الدولة العميقة" أو جهات خارجية تدفع بهم إلى الواجهة لاستخدامهم في إضعاف أطراف ثورية أو يسارية أخرى، فإذا انتهى دورهم، تم سجنهم أو التخلص منهم.
وحتى عندما نجحوا في تركيا - وهو نجاح يُذكر لهم - كان نجاحهم على حساب منهجهم نفسه؛ فتحول الحزب إلى أيديولوجية قومية محلية، ثم إلى حزب استبدادي بعنوان جديد، ولم ينتج للأمة شيئاً جديداً.

سجل المراجعات