عودة المسلمين لميقات رب العالمين

سجن الحضارة المادية: من المهد إلى اللحد

إنها حضارة لا تفقه أن رعاية النوع الإنساني في أوقات ضعفه أغلى من كل مصانعها وأصنام نقودها وذهبها وفضتها. حضارة انشغلت بكنز المادة حتى صار الإنسان فيها مجرد ترس ووقود، يُحرق لتعلو المباني الإسمنتية الصامتة فتناطح السحاب، بينما يُسجن الإنسان بداخلها، ويغوص في غياهب الاكتئاب والظلام، وحيدًا في كبره وصغره.
• في صغره، يُحرم من لبن أمه وجنته الصغيرة في حضنها الدافئ ليرضع ويهتدي ويصح، ولكنه يُلقى إلى الحضانات وكأنها مرابي للكلاب.
• ثم ينطلق في عالم كبدي كادح، يطارده نهمٌ لا حد له، وسباقٌ لا نهاية له.
• فإذا ما دخل في الهرم وبلغ من الكبر عتيًا، سقط في وحدة قاتلة، لا ولد يحنو عليه ولا حميم يستند إليه، ولو كان يملك كل أموال الكوكب.
إنه عالمٌ أسود، يُداس فيه الضعيف، ويموت فيه المسكين جوعًا، أو يموت الإنسان مكتئبًا ومنتحرًا ولو كان يعيش فوق أعلى برج يناطح السحاب. عالمٌ تطغى فيه تجارة السلاح على تجارة الغذاء، ويفوق فيه الإنفاق على الترف والشهوات أضعاف الإنفاق على تضميد جراحات البشر وآلامهم. عالمٌ يُطحن فيه الضعفاء في مناطق الصراع وتسيل دماؤهم أنهارًا بلا توقف، بينما يقهقه قاتلوهم في مجالس السكر والترف، يتاجرون بالسلام والدم، ويدّعون أنهم يصلحون في الأرض، ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 12].


سجل المراجعات