عودة المسلمين لميقات رب العالمين

شواهد علمية على "سنة التفاوت" القرآنية

شواهد علمية على "سنة التفاوت" القرآنية

يا كل باحث عن الحق، إن القرآن يقرر أن البشر ليسوا سواءً في وعيهم وهمتهم وتأثيرهم. وكما رأينا، هناك أقلية فاعلة (خيرًا أو شرًا) وأكثرية غافلة. وها هي العلوم الإنسانية الحديثة، بعد قرون من البحث، تصل إلى ذات النتيجة.

1. مبدأ باريتو (قاعدة 20/80): "القلة الحيوية"

في علم الإدارة والاقتصاد، لاحظ عالم الاجتماع الإيطالي فيلفريدو باريتو ظاهرة متكررة أصبحت تُعرف بـ"مبدأ باريتو" أو "قاعدة 20/80". وملخصها أن 80% من النتائج سببها 20% من الأسباب.

  • على المستوى الاقتصادي: وجد أن 80% من الثروة يملكها 20% من السكان.
  • على المستوى الإداري: وجد أن 80% من الإنتاجية في أي شركة تأتي من 20% من الموظفين.
  • على المستوى الاجتماعي: 80% من التأثير والتغيير في أي مجتمع تقوده 20% من الأفراد.

وهذا يا أخي ليس إلا التعبير الرقمي الحديث عن "القلة" الفاعلة و"الأكثرية" المنفعلة التي وصفها القرآن. إن هذه النسبة (20%) هي تلك الأقلية التي تملك "الذكاء الوجودي"، سواء كانوا "الملأ" المفسدين أو "أولي الألباب" المصلحين. أما الـ 80% فهم ذلك "السواد الأعظم" الذي يعيش في حالة أقرب إلى رد الفعل.

2. القانون الحديدي للأوليغارشية: حتمية حكم الأقلية

في علم الاجتماع السياسي، توصل عالم الاجتماع الألماني روبرت ميشيلز إلى نظرية سماها "القانون الحديدي للأوليغارشية (حكم الأقلية)". وخلاصتها أن أي تنظيم بشري، مهما كان ديمقراطيًا في بدايته (سواء كان حزبًا سياسيًا، أو نقابة عمالية، أو دولة)، فإنه حتماً سينتهي إلى أن تحكمه نخبة قليلة.

لماذا؟ لأن الأغلبية (الجماهير) ليس لديهم الوقت أو الخبرة أو الاهتمام الكافي لإدارة الشؤون المعقدة، فيقومون طواعية بتفويض السلطة إلى أقلية أكثر تنظيمًا وخبرة. هذه الأقلية سرعان ما تبدأ بالعمل لمصالحها الخاصة، وتترسخ في السلطة.

وهذا القانون "الحديدي" الذي "اكتشفه" ميشيلز ليس إلا تفصيلًا لقوله تعالى عن "الملأ" الذين يقودون أقوامهم دائمًا في مواجهة الحق. إنها سنة الله في خلقه: قلة منظمة تقود أكثرية غير مهتمة.

3. تجربة ميلغرام: خضوع الأكثرية للسلطة

في علم النفس الاجتماعي، أجرى ستانلي ميلغرام تجربة شهيرة وصادمة في الستينيات عُرفت بـ"تجربة ميلغرام". أراد أن يفهم كيف يمكن لأناس عاديين أن يشاركوا في أفعال فظيعة (مثل ما حدث في ألمانيا النازية).

  • التجربة: طُلب من المشاركين أن يوجهوا صعقات كهربائية مؤلمة (وهمية) لشخص آخر (ممثل) كلما أخطأ في الإجابة، وذلك بأمر من "عالم" يرتدي معطفًا أبيض (رمز السلطة).
  • النتيجة الصادمة: ما يقرب من ثلثي المشاركين استمروا في توجيه الصعقات حتى أعلى مستوى، رغم سماعهم لتوسلات وصراخ الشخص الآخر، فقط لأن "السلطة" أمرتهم بذلك.

هذه التجربة كشفت عن نزعة نفسية عميقة لدى "السواد الأعظم" من البشر: الاستعداد لطاعة السلطة حتى لو تعارضت مع ضمائرهم. وهذا يفسر لنا بدقة مذهلة كيف تستطيع "قلة الإفساد" أن تقود الأغلبية الغافلة وتجعلهم أدوات في مشروعها، فهم لا يملكون الشجاعة الكافية لقول "لا" في وجه السلطة.

الخاتمة: حين يشهد العلم لصدق القرآن

يا أخي في الله، إن ما وصل إليه هؤلاء العلماء بعد عناء البحث والتجريب ليس إلا شذرات من الحقيقة الكاملة التي أنزلها الله في كتابه.

  • باريتو وصف لنا "الكم" (20/80).
  • ميشيلز وصف لنا "الآلية السياسية" (حكم الأقلية).
  • ميلغرام وصف لنا "الآلية النفسية" (الخضوع للسلطة).

ولكن القرآن قد جمع ذلك كله، وزاد عليه "البعد الغائي والروحي". فالقرآن لم يصف لنا الظاهرة فقط، بل فسر لنا جوهرها: إنها ليست مجرد أرقام وآليات، بل هي صراع بين "الغفلة" و"الوعي"، بين "الهوى" و"الهدى"، بين "الاستكبار" و"الإيمان".

وهكذا نرى كيف أن علم البشر، في أقصى ما يصل إليه من دقة، لا يفعل شيئًا سوى أنه يضع الهوامش والتفصيلات على المتن الأصيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فالحمد لله على نعمة القرآن.

فترى هل أنت من 20% الفاعلة أم من 80% الغير فاعلة ...ثم هل أنت من شطر 20% الفعال بالايمان والعمل الصالح أم الشطر المفسد الجهنمي

سجل المراجعات