الفصل التاسع: إخوة التيه - لماذا العلماني والسلفي وجهان لعملة واحدة؟
الكتاب الثالث: مواجهة باطل العصر
الفصل التاسع: إخوة التيه - لماذا العلماني والسلفي وجهان لعملة واحدة؟
مقدمة: الصراع الوهمي
يعيش المسلم اليوم في خضم معركة طاحنة زائفة، صراع وهمي بين قطبين يظهران كأنهما النقيضان اللذان لا يجتمعان: "العلماني" الذي يدعو إلى فصل الدين عن الدولة، و "السلفي" الذي يدعو (ظاهريًا) إلى تحكيم الدين.
ويظن الكثير من المخلصين أن واجبهم هو الانحياز لأحد هذين المعسكرين ضد الآخر.
ولكن، ماذا لو أن هذه المعركة كلها مسرحية؟ ماذا لو أن هذين الخصمين اللدودين هما في الحقيقة "أخوان توأم"، رضعا من نفس الضرع، ويخدمان، عن وعي أو غير وعي، نفس السيد، ويؤديان إلى نفس النتيجة؟
في هذا الفصل، سننزع الأقنعة لنكشف عن الجذر الفكري الواحد الذي يجمع العلماني والسلفي، وكيف أن كليهما، رغم اختلاف الشعارات، يعملان لهدف واحد: إبقاء القرآن حبيسًا، بعيدًا عن الحكم والحياة.
1. نقطة الانطلاق الواحدة: مستنقع "التراث"
إن أول ما يوحد العلماني والسلفي هو "نقطة الانطلاق". كلاهما، بدلاً من أن ينطلق من نبع القرآن الصافي، فإنه يبدأ رحلته من المستنقع المظلم لتاريخ "الفتنة الكبرى" وما تلاها من ملك عضوض. كلاهما يتفق على تعريف "الإسلام السياسي" بأنه تاريخ "علي ومعاوية ويزيد". هذا هو "التراث" الذي جعلوه حكمًا على القرآن، بدلاً من أن يكون القرآن هو الحكم عليه.
2. طريق العلماني: الابن العاق الثائر
ينظر العلماني، كرجل مثل إبراهيم عيسى، إلى هذا التراث. وهو، لكونه يستخدم عقله، يرى ما فيه من دم، وقتل، وصراع على السلطة، ونفاق. فيصيبه الاشمئزاز، وهذا رد فعل طبيعي وصحي.
ولكن، لأنه تربى على أن "هذا التراث هو الإسلام"، فإنه يصل إلى نتيجة حتمية من وجهة نظره: "إذا كان هذا هو دينكم وتاريخكم المقدس، فهذا الدين كارثة لا يصلح للحكم".
إنه الابن العاق الذي يثور على أبيه (التراث)، ولكنه في ثورته يهدم البيت كله (فكرة الدين كمنهج حياة)، لأنه لا يعرف أن له جدًا صالحًا (القرآن) يمكن أن يعود إليه.
- النتيجة: يطالب بفصل الدين عن الدولة، وإقامة الحكم على قوانين البشر.
3. طريق السلفي: الابن البار المطيع
ينظر السلفي إلى نفس هذا التراث الدموي المتناقض. ولكنه، على عكس العلماني، يعطل عقله بمنهج "التقديس". إنه يرى نفس الجرائم، ولكنه يخترع لها منظومة كاملة من المبررات: "اجتهاد يؤجرون عليه"، "فتنة لا نخوض فيها"، "الصحابة كلهم عدول".
إنه الابن البار الذي يدافع عن جرائم أبيه (التراث)، ويجملها، ويطلب منا أن نقدسها.
- النتيجة: يصل إلى خلاصة لا تقل خطورة عن خلاصة العلماني. يقول: "هذا تاريخنا المقدس، والخلاصة هي أن نترك السياسة لأهلها (الحاكم المتغلب)، وننشغل نحن بالعبادات الشخصية والطقوس". فيفصل الدين عن الحكم عمليًا، باسم "طاعة ولي الأمر".
4. النتيجة الواحدة: خدمة الطاغوت وهجر القرآن
انظر يا أخي إلى هذه المعجزة الشيطانية! لقد سلكا طريقين مختلفين تمامًا، ولكنهما وصلا إلى نفس النقطة:
كلاهما يضمن أن القرآن لن يحكم أبدًا.
- العلماني يطالب بذلك صراحة.
- والسلفي يحقق ذلك عمليًا، بتحويله الدين إلى طقوس فردية وطاعة عمياء للطاغوت.
إنهما حارسان على نفس السجن، يرتديان زيين مختلفين. السجن هو الذي يُحبس فيه القرآن بعيدًا عن الحياة العامة، والحارسان هما العلماني والسلفي. وكلاهما يستخدم نفس "الفزاعة" لتخويف الناس من أي محاولة لتحرير القرآن: فزاعة "الخوارج". فكل من يدعو إلى العودة للقرآن وحده وتحكيم مبادئه على الواقع، يتهمه العلماني بأنه "أصولي"، ويتهمه السلفي بأنه "خارجي".
خاتمة: الطريق الثالث الذي يخشونه
إن الخروج من هذا "التيه" لا يكون بالانحياز لهذا المعسكر أو ذاك. بل يكون بالخروج من الملعب كله، ورفض نقطة انطلاقهم المشتركة.
نحن لسنا علمانيين ولا سلفيين. نحن مسلمون.
- نحن نتفق مع العلماني في نقده للتراث المظلم.
- ونتفق مع السلفي في حبه لله ورسوله.
- ولكننا نرفض أساسهما معًا.
إن أساسنا هو القرآن وحده. نحن نحاكم التراث بالقرآن، ولا نسمح للتراث بأن يحاكم القرآن.
وهذا هو الطريق الثالث، طريق العودة إلى الله، الطريق الذي يخشاه العلماني والسلفي معًا، لأنه الطريق الوحيد الذي يعيد السلطان لله وحده.