عودة المسلمين لميقات رب العالمين

الهدم قبل البناء: سنة الأنبياء والمصلحين

إن ما صنعناه في الفصول السابقة من هدم للبنيان الفاسد هو عين الصواب، وهو ضرورة تسبق أي بناء. فكلمة التوحيد تبدأ بالنفي قبل الإثبات:
"لا إله" يجب أن تتحقق بكل معانيها قبل أن نقول "إلا الله". والقرآن يقدم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لاانفصام الله ).
يجب أن نهدم كل الآلهة الباطلة: كل المألوهات والمعظمات، وكل الموروثات والضجيج الفكري والغثاء المتراكم. يجب أن نهدم الطقوس الوثنية، والأقوال الصنمية، والمذاهب الوراثية التي قامت على قول فلان وعلان. يجب أن نقف على أرض خالية تمامًا، ناصعة البياض، ليس فيها أحد، لنجد أنفسنا لا ملجأ لنا إلا الله.
إن الله أنزل الكتاب ليخاطبنا نحن لا ليخاطب أحبارنا ثم أحبارنا ليخاطبونا إن الله ذم الفئة الأمية في دينها ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني و إن هم إلا يظنون) إنها ليست أمية حساب و كتابة و قراءة إنها أمية فهم و تعقل كتاب الله المنزل و كلامه المرسل ..
إن الله خلق لنا عقولا و يخاطبنا نحن بكلامه مباشرة دون وسطاء للفهم و نحن نقلدهم
إنها تلك اللحظة التي كسر فيها إبراهيم الحنيف كل الأصنام. إنها اللحظة التي كفر فيها بكل النجوم والكواكب والشموس والأقمار، وعرف أن وراءها إلهًا واحدًا لا سواه. إنها لحظة الشك التي تسبق اليقين، تلك اللحظة الحاسمة التي ناجى فيها ربه قائلاً:
﴿لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾.
إنها ذات اللحظة التي كان يعتزل فيها محمد صلى الله عليه وسلم في غار حراء، ينظر في عمق الليل البهيم، يجأر إلى الله أن يهديه بعد ظلام متراكم عبر العصور.
فتأكدوا أننا لن نصل أبدًا إلى مرحلة العبودية الحقة لله، ولن يبزغ فينا نور الإيمان به، قبل أن تخلو عوالمنا وقلوبنا من كل وثن. فالله عزيز لا يقبل الشركاء. يجب إنكار كل مصدر للتشريع والاهتداء والمحبة والتعظيم إلا له وحده، رب الكون الذي برأ الحياة، وندرك تمام الإدراك أن كل ما سواه عبيد له.
عندما يسود هذا الظلام الكامل في النفس الباحثة عن الحق، يظهر نور الله وحده ليملأ أرجاء القلب والحياة، ويدخل في كل ذرة من الكيان. هؤلاء هم من أمرهم الله بالدخول في السلم كافة، فأسلموا وجوههم لله، واستسلموا لأمره وتدبيره، ودخلوا جنة الدنيا قبل جنة الآخرة. فنحن على الطريق الصحيح.

سجل المراجعات