عودة المسلمين لميقات رب العالمين

الوصية الفطرية: دستور الإنسانية الإلهي

وفي مقابل هذا التشخيص، تأتي الوصية والأمر له بصيغة ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ﴾، وهي وصية موجهة لكل فرد من أفراد النوع الإنساني- التي تصوغ اعلان حقوق الانسان الحقيقي - على أساس إنسانيته التي هي واجب فطري مزروع في جيناته، والمعروف المنغرس في فطرته. يقول تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: 14]. حقوق الوالدين والطفولة في آية واحدة .. إنها ليست مجرد توصية، بل هي الدستور الإنساني الذي يميز الإنسان عن شياطين الأرض، ويحفظ تماسك النوع وبقاءه.
فما بال تلك الدساتير التي تدّعي "الإنسانية" و"الحقوق"، ثم تقدس "أنانية الفرد" حتى غرّته بنفسه ورسّخت هواه وجهله إلهًا يُعبد؟ دساتير تقول إنه ليس على الأبناء واجبٌ مفروضٌ لرعاية آبائهم عند الكبر، و لم تحمي كما ينبغي حق الرضيع أن ينهل من نبع الحنان في ثدي أمه!.لكنه يرمي في حضانات كمرابي الكلاب لأجل أن..ولا يرى حق أمه في الكساء والغذاء والملبس و السكن و الإجرة عن عملها في تربية الكائن البشري.. ..إن حق الرضاعة لم يرميه الدين على الأم فقط ..بل هو حق واجب تكافلي على المجتمع كله للحفاظ علي النوع أعظم مورد للأنسانية وهو الإنسان نفسه! .. لقد فرض الله ذلك الحق ليس فقط للزوجة العاملة بل للمطلقة على والد وليدها بل على الوارث مثل ذلك إن لم يستطع الأب البيلويجي أو كونه مات ..
عدالة القرآن الاقتصادية للأم والرضيع
إنهم يلقون بالطفل في الحضانات التي تشبه مرابي الكلاب، لا لشيء إلا لأن ضغط المجتمع المادي يجبرها أن تعمل وإلا لن تجد ما يسد رمقها لا هي و لا رضيعها .. فلا يرى حق الأم في الكساء والغذاء والنفقة والسكن والأجر عن عملها الجليل في تربية وصناعة الكائن البشري مدة هاذين العامين. لقد أنكروا حقًا فرضه الله، لا للمرأة العاملة أو غير العاملة أو الزوجة فحسب، بل حتى للمطلقة بل هو فرض على كل أب بيلوجي ، بل وجعله على الوارث إن كان الأب عاجزًا أو ميتًا بل على بيت مال المؤمنين إلن لم يوجد ما يسد
تأمل معي في هذا الدستور الإلهي الدقيق الذي يكرم الأمومة ويقدس الحياة:
﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ...﴾ [البقرة: 233].
ما هذا التشريع العظيم؟ إنه يجعل للمرأة حق الإنفاق الكامل لمدة سنتين Full Board أكل و شرب وسكن ليس فقط ذلك بل و كسوة و ملبس ...ليس فقط ذلك بل أجرة عن تراض تراضها المرأة و إن رفض الرجل فسترضع له أخرى حتى يعرف أن الرضاعة لها أجر ستكلفه أضعافا لو بحث عن امرأة أخرى تقوم بوظيفة الأم في الرضاعة ..إن هذا الحق ثابت في حق المطلقة التي ترضع فما بالك بالزوجة..، كل هذه النفقات الواجبة التي تجب بمجرد ثبت صفة الولادة و النسب البيلويوجي ، لا لشيء إلا لأنها ترضع! كلا، ليس "لمجرد" أنها ترضع، بل لأن النوع الإنساني هو أغلى ما تملكه الجماعة المؤمنة، ولأن المؤمن يقدس الحياة أكثر من التراب الأصم اللامع من ذهب وفضة.
إن هذا ليس "أجرًا على الأمومة"، بل هو "عرفان وتقديس" من المجتمع لهذا الدور المحوري. إنه استثمار المجتمع في مستقبله، وإقرار بأن بناء الإنسان هو أعظم بناء على الإطلاق.
المأساة الغربية: حين يصبح الإنسان أرخص من الحيوان
أما اليوم، فيا للأسف!
نرى ظاهرة الـ Single mothers أو حتى المطلقات، حيث يُلقي الزمان عليهن بأطفال لا يرى المجتمع لهم حقًا إلا إجازة وضعٍ يسيرة. وإن لم تعمل الأم، حرمها المجتمع من كل أجر، وتضوّرت هي ورضيعها جوعًا. لقد نُسيت هذه الفريضة حتى في المجتمعات التي تدّعي الإسلام.
بل وفُرِضت "الصدقات النحلة"، وهي مسألة أخرى سنفرد لها فصلًا لاحقًا. فالمرأة لها حق الصداق النحلة من التكرار، وهو عطاء مستمر ومتجدد، وليس مجرد مبلغ يُدفع مرة واحدة عند العقد. فكلمة "نحلة" تأتي من الدأب والاستمرار، كنحلة العسل، وهي تشير إلى حق أصيل ومستمر ما دام الرجل يستمتع بزوجته. ، وليس مرة واحدة. وما دام الرجل يستمتع بامرأته من رعاية واهتمام، فلا نقول إنها أجرة مقابل جنس. المتاع أكبر من ذلك بكثير.
إن أجر المرأة حق أصيل، تقديسًا لدورها في رعاية وتربية النوع الإنساني، ولأنه مقدس، فهو فريضة، ليس نافلة من الرجل ولا تكرُّمًا منه.
اسأل رجلًا:
لو أجرت مربية لأولادك، ومعلمة تُدرسهم، وطباخة تطبخ لهم، وعاملة منزل تنظف، وفتاة ليل ترقص — كم سيدفع الرجل بالله عليكم؟! إنه يحتاج إلى ملايين.
فما بالك إن رزقه الله بامرأة مؤمنة، بينها وبينه ميثاق غليظ، تحفظه في الغيب، وتراعيه، وتحبه، وتغسل له ثيابه، وتطعمه، وتواسيه، وتحرسه، وترعى صغارهما، وتربيهم، وتنظم وترتب وتنظف حياتهم من كل سوء ظاهر وباطن؟
أليست تستحق أكبر أجر ممكن؟
حقًّا مفروضًا يرضيها وترضيه، كمالًا خاصًا بها لا يقربه الرجل، ولا يأخذ منه قنطارًا ولا دينارًا، حتى لو اختلفا أشد الاختلاف، وانفصلا في يومٍ ما — لا قدر الله.
إن تلك المفاهيم القرآنية مُطموسة، حتى في المجتمعات التي تدّعي فهم القرآن.
وعلى العكس، يُحرَم الأب والوالد حتى من رؤية أولاده، ويُلزم بإنفاقات خيالية حسب "شطارة" المحامي. بل وقد تُقيم المرأة علاقة جنسية بما يُسمى "زواجًا عرفيًا"، في بيت والد الأطفال البيولوجي، على سريره، وفي بيته، وبماله، وتحرمه حتى من رؤية أولاده!
ما هذا الإجرام؟
إجرام في حق الرجل والمرأة، وخلط للأدوار.
لذلك، يأبى الذكور أن يطلقوا، فيُمسكون ضرارًا، ولا يوجد ما يُلزمهم أو يُقيم حق المرأة في الإنفاق. فتجد المرأة المتزوجة تتشحّت ما يسد رمقها، ويستمتع بإفقارها وهي زوجته!
فتكون امرأة منهارة نفسيًّا، وإن أرادت أن تفتدي نفسها، لا تجد مخرجًا.
وصار الذكور ينفرون من الزواج لأنه صار فخًّا، والإناث تخافه لأنه صار سجنًا لكليهما.
وفي النهاية، يضيع حق هؤلاء الأطفال.
المظلوم: رجل، وامرأة، وطفل، وعجوز، وشاب، وبكر، وثيّب!

سجل المراجعات