الجماعات الإسلامية.. سُنّة الاقتتال الأهلي ولعنة السلطة
ضع أي جماعة إسلامية تتكلم عن الحاكمية والجهاد والهجرة في بقعة واحدة، واتركهم دون أن يمسهم أي أحد، وقل لهم: "هذا دينكم، فاصنعوا جنة الله في الأرض التي تتكلمون عنها. أنتم تزعمون أنكم لو خُلِّي بينكم وبين تطبيق شرع الله لكنتم في أحسن حال لولا اضطهاد الطواغيت لكم... حسناً، أليس هذا هو الدين الذي تريدون أن تُكرهوا الناس عليه؟". ثم اتركهم على تلك الجزيرة، وارجع بعد عام واحد، بل شهر واحد...
ستجدهم قد انقسموا وقطعوا بعضهم بعضاً أشلاءً دون أن يمسهم أحد من خارجهم. إنها ليست زلة أو خطأ عابراً، بل هي سمة أصيلة في كل جماعة جهادية، وسُنّة دامية تتبعها كظلها.
شواهد التاريخ: حين يلتهم "الإخوة" بعضهم
إن التاريخ المعاصر ليس إلا سجلاً حافلاً لتكرار هذه المأساة:
- أفغانستان (ما بعد السوفييت): ما إن انتصر المجاهدون على الجيش السوفييتي وخرج من أرضهم، حتى دخلوا في حرب أهلية طاحنة. تحولت كابول إلى ساحة قتال بين فصائل كانت بالأمس "إخوة في الجهاد"، من أمثال حزب "حكمتيار" وتنظيم "برهان الدين رباني" و"أحمد شاه مسعود"، فدمروا العاصمة بأيديهم، وأهلكوا من الحرث والنسل ما لم يفعله السوفييت.
- الجزائر (التسعينيات): في خضم الحرب الأهلية، تحولت "الجماعة الإسلامية المسلحة" (GIA) إلى وحش كاسر لم يكتفِ بمحاربة الدولة، بل شن حرب إبادة على كل من خالفه، بما في ذلك "الجيش الإسلامي للإنقاذ" (AIS)، ثم كفّروا المجتمع الجزائري بأكمله واستحلوا دماءه، في واحدة من أبشع صور "التكفير" العملي.
- العراق (ما بعد الغزو): بعد أن أثخن تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" في القوات الأمريكية، سرعان ما انقلب على حلفائه من العشائر السنية التي قاتلت معه، فاستحل دماءهم وأموالهم، مما أدى إلى ولادة "الصحوات" التي تحالفت مع الشيطان الأكبر (أمريكا) للتخلص من شرهم. ثم ما لبث "داعش" (وريث القاعدة) أن انقلب على كل الفصائل الأخرى، من جيش المجاهدين إلى كتائب ثورة العشرين، في صراع على "الإمارة" لم يُبقِ ولم يذر.
- سوريا (الكارثة الكبرى): كانت الساحة السورية هي المختبر الأوضح لهذا القانون الدامي. رغم أنهم كانوا جميعاً على جبهة واحدة ضد عدو مشترك، إلا أن أغلب قتلاهم سقطوا بسيوف بعضهم. لقد شاهدنا بأم أعيننا كيف قاتل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) "جبهة النصرة" (فرع القاعدة)، وكيف قاتل كلاهما فصائل كـ"أحرار الشام" و"جيش الإسلام". كانت حرباً ضروساً، قامت على التكفير المتبادل، فكل فصيل يرى نفسه "دولة الإسلام" الحقة، ويرى في الآخرين مرتدين يجب قتالهم قبل قتال الكفار الأصليين.
فلماذا لا نعترف؟ لماذا لا نواجه الحقيقة المرة؟ إن هذه الأفكار الموجودة في كتب ما يسمى "تراث أهل السنة"، سواء في رواياته أو فقهه، هي أفكار ضالة، سامة، وغير قابلة للحياة، بل هي وصفة مضمونة للاقتتال والخراب و أفكار ضالة غير قابلة للحياة.