عودة المسلمين لميقات رب العالمين

فتنة "أثر الرسول" - من عجل السامري إلى وثن التراث

نظرة في مشهد أيات إضلال السامري لبني اسرائيل

إن هذه الأيات فيها كشوفات عظيمة لمنبت الفتنة و مسالك أهل الضلال و علماء السوء حيث تجد فيها تبيان لمنهجية كشفهم و التعامل معهم وحكمهم بل و التعامل مع فئات المؤمنين الذين مروا في خضمها .
فتدبروا قال الله تعالى ( قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ () فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي ()قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيّ () فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٞ فَقَالُواْ هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ ()أَفَلَا يَرَوۡنَ أَلَّا يَرۡجِعُ إِلَيۡهِمۡ قَوۡلٗا وَلَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا () وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَٰرُونُ مِن قَبۡلُ يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِي ()قَالُواْ لَن نَّبۡرَحَ عَلَيۡهِ عَٰكِفِينَ حَتَّىٰ يَرۡجِعَ إِلَيۡنَا مُوسَىٰ ()قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذۡ رَأَيۡتَهُمۡ ضَلُّوٓاْ ()أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي ()قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِي () قَالَ فَمَا خَطۡبُكَ يَٰسَٰمِرِيُّ ﱞ قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِي نَفۡسِي ﱟ قَالَ فَٱذۡهَبۡ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَۖ وَإِنَّ لَكَ مَوۡعِدٗا لَّن تُخۡلَفَهُۥۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ إِلَٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلۡتَ عَلَيۡهِ عَاكِفٗاۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُۥ فِي ٱلۡيَمِّ نَسۡفًا ﱠ إِنَّمَآ إِلَٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَسِعَ كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمٗا ) الايات من85 إلى 98 سورة طه
لم أكن أفهم تلك الآية الكبرى عن السامري الذي أخذ قبضة من أثر الرسول فقذفها فكذلك سولت له نفسه .؟بعيدا عن تفسيرات الإسرائليات التي صدتنا عن تدبر القرأن عبر حكايات فنتازية و تصويرات خيالية تروي في القصص الشعبية أن جبريل عليه السلام يجري على ظهر فرس في الصحراء فكبش السامري من أثر حدوة فرس جبريل بعد ان وجد تحت اثر الحدوة تنبت زرعا ..فصورت الأمر على أنه مجرد شعوذات خيالية وقصة لا تقصدنا من قريب أو بعيد
العجيب أن من لفق هذه الإسرائيلية لم ينتبه أصلا أن موسى عليه السلام كان يكلمه الله مباشرة من وراء حجاب بدون رسول لا جبريل ولا ميكال ( وكلم الله موسى تكليما )
و الأعجب أن اليهود لم يكونوا يحبون جبريل عليه السلام فكيف يكون هو موضوع تنزيل الرحمات التي أخذ من أثرها السامري ..
وهذا ثابت يقينا في القرآن ( وَلَتَجِدَنَّهُمۡ أَحۡرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٖ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۚ يَوَدُّ أَحَدُهُمۡ لَوۡ يُعَمَّرُ أَلۡفَ سَنَةٖ وَمَا هُوَ بِمُزَحۡزِحِهِۦ مِنَ ٱلۡعَذَابِ أَن يُعَمَّرَۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا يَعۡمَلُونَ () ﱟ قُلۡ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّـجِبۡرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ () ﱠ مَن كَانَ عَدُوّٗا لِّلَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَجِبۡرِيلَ وَمِيكَىٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوّٞ لِّلۡكَٰفِرِينَ ﱡ(*) وَلَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖۖ وَمَا يَكۡفُرُ بِهَآ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقُونَ ﱢ)
ثم الأدهى الملائكة كائنات سماوية ما حاجاتها أن تركب الدواب وهذا لم يرد به دليل أبدا فما بال تلك الخرافات التي بعضها فوق بعض كيف تقف قصة فانتازيا خيالية من وحي الخيال القصصي الهولويودي لتصير عمدة تفسير لآية هامة وصف أعظم فتن بني إسرائيل وأقدمها
ثم إن سياق الآية لا ينسحب الرسول لجبريل الذي كان بعيد كل البعد لا عن هذا المشهد فقط لكن عن كل مشاهد وحي ورسالة موسى كلية !من بعثه إلى موته
ثم الأدهى جبريل عليه السلام كيف سيراه هذا المنافق علي هيئة رحمة بل يأخذ من أثره دون أن يتنبه جبريل و جبريل عموما ظاهرة كونية لا يراها إلا خواص الأنبياء ..ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهي
ثم إن الملائكة لا يمشون على الارض مطمئنين ..ثم ان نزولهم حين يكون بهيئة الرجال ما الذي يدفعهم لركوب الدواب و التنقل بها على الأرض وهم كائنات سماوية منزلة لا يحتاجون للتنقل على ظهور البعير
ما معنى أثر الرسول من واقع التدبر في الآية
انظروا للسياق دون أي تفسيرات خارجية و انتم تعرفوا
قَالَ فَمَا خَطۡبُكَ يَٰسَٰمِرِيُّ ﱞ قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِي نَفۡسِي ﱟ
هيا لنتدبر كلمة كلمة
قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ
الحقيقة أن علماء السوء فيهم ذكاء خطير شرير أنه يرون مواضع المتشابهات وأبواب الفتن و الزلات أكثر من غيرهم ويستشكفونها بمهارة شديدة ..كالغراب يطير فوق حديقة غناء جميلة فترصد عينيه من فوق أعلي جو السماء دودة فهبط مسرعا كالسهم ليلتقطها متغاضيا عن كل ما في الجنة من رغد..و ذلك مسلكهم مع أثار الرسل بالبحث عن المتشابهات وهي أخطر ما يوظف لفتنة الناس فآثار الرسل من كلام قد يكون فيها بعض الكلمات التي لو اخذت من سياقها واقتطعت بعيدا عن موضعها بين محكمات التنزيل تدفع إلى مدخل وتحرف إلى مفهوم يقلب كل موازين الرسالة نفسها
وإيجاد المتشابهات هي إرادة الله جل وعلا لتكون مصيدة لقاسية قلوبهم عن ذكر الله ولمرضى القلوب و المنافقين ممن لمن لم يفهموا حقيقة الرسالة والدين واتبعوا الدين ظاهرا في أقواله واعماله لمصلحة عاجلة أو لصدفة عابرة ولم يدركوا معنى الدين
ولننظر في كلمة أثر و نتحقق منها ولنختبر القرآن بالقرأن
قأثر الشيء هو علامة تأثرت به والرسل آثارهم علمية فأثر الرسول مرتبط برسالته
فمن هو الرسول الذي أنزله الله قبل موسى و كان موسى متبعا لرسالته

وهنا فائدة مهمة لو أراد الله ان يذكر لنا رسول معين لبينه لكن إطلاق كلمة الرسول تدل على التركيز على الصفة أكثر من الاسم المعين لان الفكرة ملخصها أن السامري قبض قبضة من أثر هذا الرسول واثر الرسول هو رسالته نفسها فقبض منها قبضة-كشركرانية الله على نعمة الأنعام التي كانت إحدى مظاهر شكرانيتها العظمي بنص القرآن وصحف ابراهيم هو ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الانعام ) و غالى فيها و نبذها عن محكمات الكتاب فوضعها في رمزية العجل نفسها ليدعي أنها إحدى تجليات الالهيى بقمم النعم
إن الإلتزام بمراد الله من كلمة "الرسول" في قصة السامري عمومًا يشمل كل من حمل كلامه، سواء كان إبراهيم، موسى، جبريل، أو غيرهم. المهم هو الرسالة نفسها السامري أخذ جزءًا من نص أو شريعة في الرسالة نفسها ، لكنه غالى فيه وأخرجه عن سياقه، فصنع فتنة.
قد يكون الرسول و اثر الرسول هو أثر ما تركه ابراهيم عليه السلام وقد جمع الله في ذكر الصحف المنزلة بين ابراهيم و موسى ( صحف إبراهيم وموسى )
يجب حين ننظر في دعوة رسول من الرسل أن نوقن أنه لم يأتي كنبتة منفصلة عن مسيرة الرسل فإن ركن الأيمان ( والذين يؤمنون بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك و بالآخرة هم يوقنون )
فأصحاب موسى هم أهل كتاب و قد كان موسى يدارسهم الأيمان من قبل أن تنزل عليهم التوراة فمن هو الرسول الأعظم الذي له آثار مع قوم موسى و قد كان السامري من الواضح أنه صاحب علم كتابي ديني كحبر من أحبار بني اسرائيل فآثار الرسول معهم حاضرة من صحف ابراهيم ..ومن أعظم آثار ابراهيم أنه نادى بالحج الأكبر الذي جعله الله لنشهد منافع لنا ولنذكر الله على ما رزقنا من بهيمة الأنعام (1)
قال الله تعالى في محاججة الرسل (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) فأعظم أثار الرسل الرسالة نفسها
و من مفاتيح الفهم الذهبية البحث عن الجذر اللغوي لذات الكلمة واشتقاقتها في القرآن لتصور معناها المقصود في مواضع أخرى لان القرأن يتميز بالتصوير الفني و البياني في الفضاء اللغوي عبر مشاهد حسية تجعل تحريف المعنى شبه مستحيل إذا وضعنا قطع البازل بجوار بعضها
فإن قبل مشهد إضلال السامري مباشرة في مطلع القصة جذر أ ث ر مستخدم وفي دلالة لغوية واضحة
قال الله تعالى عن قول موسى (قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) و فكلمة هم أولاء على أثري ...يعني يتبعون المسيرة خلفي علي أثار مسيرتي إليك إلي البقعة المقدسة
و الأثر هو ما يترك من علامة مادية أو معنوية من وقع فعل ما كقول الله تعالى (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) فيظهر على وجوههم علامات السجود لله على جباههم من كثرة السجود ..وكذلك قول الله تعالى (فأثرن به نقعا ) فتدل على أثار العاديات ضبحها وهي الخيول العادية بسرعة شديدة و أثار حوافرها على الأرض التي تثير الغبار ..فدل أن الأثر هو العلامة المادية لفعل ما
و أعظم أثار الرسل هي الرسالة نفسها كصحائف إبراهيم أو محفوظات النصوص القديمة لرسالة الله من الرسل و لو أراد الله أن يذكر بقيا المادية لمقتنايتهم لقال و( وقبضت قبضة مما ترك أل ابراهيم و أل يعقوب فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي ) كما قال الله تعالى (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
لكن قبضت قبضة من أثر الرسول ..استخدام كلمة الرسول تؤكد ان المقصود بالأثر موضوع الرسالة و الرسالة صورها في الصحائف و الألواح و الكتب و المخطوطات و المحفوظات الصدرية هي أهم ما يترك الرسل
أما الاشخاص فمتروكاتهم و مقتنياتهم أمر أخر و الآية تدل على متروكات الانبياء المادية تضفي سكينة ولها أهمية روحية للاتباع في استلهام العنايات الإلهية فالتابوت عند بني اسرائيل من أهم رمزيات معية الله إنه التابوت الذي ألقي فيه موسى في اليم وهو طفل وليس تابوت جسد موسى بعد الموت كما ظن البعض إنها رمزية تذكارية لأن حفظ الله ومشيئته قادرة على اختراق أعظم ابنية الفراعين و الطواغيت و جند الجبارين بألطف الاسباب طفل رضيع في تابوت خشبي و متروكات الأنبياء من عصي و ألواح و مخطوطات كانت رمزيتها عظيمة لدي بني اسرائيل و تذكريات كبيرة لنعم الله تضفي عليهم سكينة عظيمة تدعمهم في أحلك الأوقات و تكون حافزا و مصباحا داخليا للثبات في المعارك و نورا للنصر (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
ولكن الآية غير مرجح أنها من متروكات الأنبياء الشخصية كما أوضحنا لأن السياق يدل على أنها متروك من أثر الرسالة

فللنظر لشيء من أعظم أثار الرسول ابراهيم عليه السلام أبو بني اسرائيل الأول قال الله تعالى (وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ () لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ () ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ (*) ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ)
ولماذا رجحنا أن الرسول في الآية هو ابراهيم عليه السلام فهو الرسول الأكبر الاسبق ذو الصحف الذي كان يعقوب عليه السلام وبنيه على ملته وكانت وصية يعقوب حين موته لبنيه بالإلتزام بملته هو اسماعيل و اسحاق
ودعوة أذن في الناس بالحج تقتضي كل الناس ولا يستثنى منهم بنوا اسرائيل
ثم إن عدم ذكره لان في العموم المقصود الرسول الاقرب والمسبوق لموسى لأن واقع الخطاب يظهر أنه ليس موسى هو الرسول المقصود في قول السامري لان موسى يخاطب السامري فليس من المنطقي انه سيقول قبض قبضة من أثر الرسول وهو يقصده فهو يتكلم عن أثر لغائب و ولو كان يقصد موسى لقال قبضت قبضة من أثرك ..لكنه قال من أثر الرسول ..ولقد بينا أن تفسير الرسول بجبريل بعيد تماما فإذا الرسول هنا هو اقرب الرسل لموسى وسواء المقصود به ابراهيم أو احد بنيه كاسحاق و يعقوب او يوسف فإن رسالتهم جميعا واحدة وجميعهم كانوا على ملة أبراهيم يتدراسون صحائفه لأنه ما انزلت التوراة الا من بعدهم
طيب الان ننتقل للنقطة التي بعدها
فقبضت قبضة من أثر الرسول ..ما هي القبضة التي قبضها ..إن الأية في تصوير بليغ جدا يشرح حالة القبض و الغلو التي يبدأها عالم السوء ما أن يقع على كلمة تفتح باب فتنة للناس إذا تم القيبض عليها بقوة و الغلو في معناه و نبذها بعيدا عن منظومة الرسالة و حقيقتها .. فالقبضة هي ما يقبضها الانسان و يحيطها و يضمها بداخل قبضته ..فهي تعني معني وصفي دقيق أنه يظهر أنه يقبض شيئا و هذه القبضة مقتطعة وجزئية وليست إمساكا بالمنهج نفسه إنما هي اجتزاء لقبضة يقبضها و يقتطعها اقتطعا ظم يظهر فيها غلوا شديدا وكأنه يقبضها في يده قبضا
وتلك سمة واضحة لأي فريق من أهل الغلو فهو يقبض قبضة من أثر الرسول (يعني الرسالة) و يظهر فيها غلوا شديدا كما قال الله تعالى يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خير لكم إنما الله إله واحد
انظروا ان الفرق بين النظر في نعم الله واياته في الشمس و القمر وجعلها وسيلة لشكره و معرفة عظمته جل وعلا وبين عبادة الكواكب ذاتها واتخاذها آلهة أو اعتبارها تجليا لحقيقة الإلية الذاتية .. شعرة بين هذان المفهومان و ظاهرهما متقارب
و الفرق بين الإيمان بان المسيح كلمة الله و روح الله ألقاها إلى مريم و بين أنه كلمة الله تلك و روح الله تلك هي جزء من ذات الله نفسه و الشرك به فرق كالشعرة ..ولكنه انتقل بالانسان من الإيمان الكامل إلى الكفر الكامل يأتي في لحظة واحدة ..لحظة غلو وفتنة لذلك سمى الحق بالصراط لأنه دقيق كالشعرة بين غلو مهلك أو أعراض و جحود و محاددة و جنوح وكفران مهلك أيضا
وهذا أمر معهود أن عدم ضبط المنهج يحيل الانسان من الشيء لضده ففرق بين الرفق وبين الخنوع كفرق بين السماء والارض رغم ان بينهم شعرة

فإن علماء السوء دائما ما يقتطعون قطعة و يقبضون قبضة من أثر الرسل في رسالتهم ثم ينبذوه ولفظ ينبذوها لفظ دقيق فوق الوثف لما يحدث على مستوى تدمير المنهج و بناء نبت خبيث مجتث من فوق الأرض ما له من قرار
فهم يأخذون هذا الجزء و ينبذوه عن بقية الدين و عن منظومة الرسالة كلها ثم بعد الجتزاء و النبذ ينفثون فيها شبهاتهم تسول لهم أنفسهم أن يحرفون الكلم فيها عن بعض مواضعه
وتجدون هذا واضح جدا حين يأتي عالم سوء مثلا من الغلاة فيقتطع كلمة ان المسيح (روح الله ) ثم يبني عليها بناء ضخما بعد تبجيل المسيح و تعظيمه ثم يظهر أياته التي منها احياء الموتى و ابراء المرضى و النفخ في الطين كهيئة الطير فتكون طيرا باذن الله ..ثم يؤصل انه تجلي للذات الإلهي في اقنوم بشري ويبدأ يبني على بعض الادلة المجتزئة نتائج ضخمة جدا تقلب أصل دعوة المسيح نفسه ..
وانت تستغرب حين تجد ديانة كاملة مبني على كلمة مشتبهة لو وضعت في منظومة الكتاب لتبين أن تلك النتائج التي بنى عليها علماء السوء معتقدهم هي محض افتراء و ضلال
والغريب أنك تسأل نفسك إن كان المسيح تجلى الله في جسده حقيقة وتحولت طبيعت البشرية إلى إلهية وحل فيه حقيقة أو كان هو ذاته اقنومه البشري المتجلي إلهيا أو أنه ولد الله إلخ لماذا لا تكون اصل عقيدة التثليث أو ألوهية المسيح أو كونه ولد الله لماذا لا تكون من أوضح الواضحات في رسالة المسيح ذاتها لا لمجرد تأويل لكلمة غامضة حملت باكثر من معاناه ولا يمكن ان يكون أصل الدين بهذا الغموض لدرجة أن علماء السوء انفسهم يختلفون في صفة ما غالوا فيه اختلافا عظيما و في توصيف حقيقة تلك الإلهية و طبيعة الأقانيم وحقيقة البنوة
وتتضح طريقة علماء السوء في كل المسائل
فمثلا الجامية (يقتطعون قول الله تعالى ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وألوا الأمر منكم )
فيوجوب طاعة المتغلب بالسيف و يجعلون من يرفض هذه الفكرة كافر مجرم جاحد للقرأن بل يقولون أن الخارجي كلب النار والخارجي هو من رأيى الخروج على الإمام الحق - من وجهة نظرهم – ويقولون بل الخارجي من واقع نصوص السنة النبوية – من وجهة نظر كافر كفر أكبر – و يأكدون أن كثير من أكابر اهل السنة على تكفير الخوارج حقيقة كفر أكبر ..واستحلوا بهذا التأويل نصرة الطواغيت على المؤمنين و شرب دماء المؤمنين واعتبارها من أكبر القربات لله ..وهي قربة تقربهم لا شك إلى الشيطان وتقرب المؤمنين إلى الله و تتخذهم شهداء
والغريب أنهم يقتطعون الأية مع أن كون الأمر أصلا شورى ( وامرهم شورى بينهم ) فإن فعل الطاغوت نفسه بتحويل الأمر إلى عضودي و استبعاد الناس و ادعاء حق الإمامة بالسيف هو حكم بغير ما أنزل الله في ذاته بل والقتال عليه و فتنة الناس عليه أكبر أنواع الإجرام و منازعة الله في حقه بتحويل الأمر لشورى بين المؤمنين لا استبداد لعائلة ( وأمرهم شورى بينهم ) فانظر كيف جعلوا أصل الحكم بغير ما أنزل مخالفة عادية بل قالوا أن فتنة الناس علي هذا الحكم الطاغوتي من أصول الدين الحق و من خالف كافر خارجي كل هذا لانهم غلوا في جزء يسير من أية و لم يكملوا الأية فالله لم يقل أولوالأمر فقط بل قال (منكم) فيكيف يكون منا من حكم بغير ما أنزل الله ..؟ و منكم تعود على فئة المؤمنين ولاشك وليس فيها من يحكم بغير ما أنزل ومن أبلج انواع الحكم بغير ما أنزل الله هو جعل الأمر لطاغية استبدادا وليس شورى
و فتنة الناس على بيعة السيف و تبرير الإمامة الوراثية و العصبية هي من أكثر و أقدم أصول علماء السوء في أمتنا و صنعها سامري الأمة الأكبر في تراثنا كما يمكننكم أن تثبروا معرفة ذلك ببصائر قلوبكم

فسبحان الله إن تلك الآية تصف بكل دقة مهولة تقنيات و تكنيك واساليب عمل علماء السوء بكل دقة و عجب
المهم أن السامري من الواضح أنه وهو خارج من مصر من مجتمع زراعي مثاقل إلى الأرض يحب دعتها و يختبر نعمها فإن العجل رمز لذروة انتاج الأمم الزراعية و هو رمزية لأغني حلقات الغذاء و النشاط الزراعي البشري و هو من ناحية الدين نعمة كبرى تستوجب الشكر ولذلك فرض الله لها عبادة شكرانية من النسك والحج
المهم أن السامري قال ما رأيكم إنها نعمة عظيمة و غائية من غائيات العبادة الشكرانية للحج الأكبر فما رأيكم أن اصنع لكم عجلا ليجسد ذروة نعمة الله من أنعام وغذاء ليذكركم بتلك النعمة العظمى في فترة ابتلائكم وانتم تطوقون إلى الدنيا و العجل لا شك أنه صار بعيد عنهم اليوم ففي ترحالهم لم يتح لهم إلا المن والسلوى
ثم انزلق بها رويدا حتى أصل لهم أن الله يتجلى في مظهر تلك النعم و لقد قلنا مرارا أن الهندوس ممن يعبدون البقرة و الفراعنة و هم يعظمون و يعبدون رع اله الشمس فلم يبدأ الأمر هكذا
بل وجدا نعمة عظمىة في حياتهم فقالوا إنها ذروة تجليات الطبيعة في حياتهم فكانت رمزية لما ورئيتها وقوتها العظمى التتي تتجل في أقوى مظاهرها
و ينكشف ذلك إذا فتشنا في أصول الأديان و إن أثار تل العمارنة لإخناتون التي حاول الفراعنة إخفائها أكبر دليل على ذلك فكل الاثريات عن اخناتون تقول أن خلافته مع الكهنوت أظهرت عمق الشرخ و التحريف فقد اتهمهم أنهم مع مرور الوقت و استحكام فتنة الكهنوت حولوا النعم و الآيات لألهة مستقلة و أصر آتون أنه لا يعبد ره بل يعبد من خلف رع ( الشمس ) و خلف كل مظهر من مظاهر الكون ..ومثله بآتون تارة أو أتوم تارة و هي ليست آلهة مختلفة بل هي كالأسماء الحسنى لنفس الحقيقة الواحدة الكبرى للذات العليا وراء الكون فآتون هو منشأ اصل النور و ليس مجرد قرص الشمس كما داعى المترجمون الحرفيون وإلا فما الفرق بينه و بين رع يعني أتون قرص الشمس ورع شعاعها ..أتون هو النور الخالص الوراء كل الموجودات و أتوم هو باطن الوجود نفسه و كل أشعار اخناتون تؤكد أنه يعبد ذات واحده لها صفات عليا فالله عنده هو من وراء قرص الشمس ووراء كل نور الوجود و النجوم و هو ممسك السموات و الأرض أن تزولا
ولأخناتون أشعار توحيدية يهتز لها القلب و هو ظاهرة فريدة متأخرة في الدولة الفرعونية تؤكد جذور التوحيد في كل ديانة شركية و لو تأملت كل ديانة بدأت تنحرف حتى عبدة الأحبار والرهبان و الملائكة و رمزيات المسيح الابن و الأب والروح القدس أو مردوخ عند البابليين أو رع عن الفراعنة ستعرف أن تلك الرمزيات كلها و الأساطير الشعبية هي شخصيات ملائكية أو سماوية او كوكبية ضخمة اختزلت في رمزيات معبودة من دون الله بعد الغلو فيها

حواشي



(1) و الأنعام نعمة عظمى ذكرناها في الكتاب في مبحث خاص فالذكاء البشري تدعم نضوجه من غذاء البروتينات الغني في الصيد وظهور أنواع الانعام الاثمانية المستأنسة المستخدمة في الرعي وقت نزول البشر للارض كانت من ذروة نعم الله معلوم ان الانسان هو كائن حي غذوائه معتمد على هرمية ودورة الغذاء الطبيعي على الأحيائي على الأرض فيتغذى الانسان على النبات و لما يموت تعود عناصره على الي الارض ليتغذى عليها النبات و كمية البروتينات في البقوليات اقل بكثير من النوع الحيواني و بالتالي لما أوجد الله نوع من الكائنات وسيط ستغذى على النبات و يجمع خلاصة الغذاء و البروتينات التي هي وحدات بناء الجسد البشري كان إفراز مناطق المكافئة في مخ الانسان على طعم اللحم أمتع بكثير و اطيب من أكل البقوليات التي كانت أصعب في الهضم و أقل في نسبة الفائدة و تركيز الغذاء و معلوم ان جسد الانسان مكون ما يقرب من 100 ألف بروتين كلها مكونة من تتابع بناء 20 حمض أميني لا يتسطع جسم الانسان إلا ناتج 14 حمض فقط و يبقى 6 أحماض أمينية يعجز الجسد البشري على بنائها اذا لو لم يأخذها الانسان من البقل أو الحيوان فإن جسده سرعان ما يضمر و يتهدم و ينهار لأن وحدات جسده تفتقد مكونات لبناتها الاساسية و الأنعام نعمة لم تتوافر لنوع أرضي غيرنا ..فكل الكائنات اللحمة على الأرض تتعامل بمبدأ الصيد و الانواع اللحمة تجدص صعوبة كبيرة في عمليات صيد الانواع الوحشية من الحمر والغزلان و الثيران ولم نجد نوع لاحم من الفصائل الكلابية أو القططية أو غيرها قادر على ترويش نوع غيره و الاستمتاع به بالطعام و الشراب و الركوب والحرث و الجر ..كما سخر الله للانسان و العجيب أنه على عكس المتوقع فإن السجلات الأحفورية تؤكد أن ظهور الانواع المستأنسة من النعم ظهرت بالتزامن تماما مع ظهور الانسان العاقل الذكي على مستوى الأحافير الأركلوجية وليس كما ادعي أنها تم استأناسها من البشر لاحقا ..بل ظهرت في وقت متزامن تماما على مستوى السجل الأحفوري للانسان المنتصب الذكي والغريب أن الأنعام المستأنسة لها مجموعة صفات تسمى عند علماء الأحياء التطورية و الجينية بمتلازمة الاستئناس يعني رغم أن الأبقار و الجموس و الأغنام و الماعز هي فصائل و انواع مختلفة إلا أن صفات الاستئناس عليها متشابهة فحجم المخ أصغر مما يقابلها من أنواع وحشية غير مستأنسة و افرزات الغدد الكظرية و ملامح الوجه الوديعة وارتخاء الاذن
يا صديقي، هل تأملت يومًا في طبق طعامك؟ في قطعة اللحم أو كوب الحليب؟ قد تبدو أمورًا عادية، لكن خلفها تكمن قصة من أعجب قصص الخلق والتسخير، قصة "الأنعام" التي تمثل، كما تفضلت، ذروة الثروة للمجتمع البشري وواحدة من أعظم النعم الإلهية التي غالبًا ما نمر عليها غافلين.
دعنا نغوص معًا في هذا الفصل، لا كحوار بيننا، بل كرسالة لكل باحث عن الحقيقة، لكل من يريد أن يرى آيات الله في خلقه. سنفترض أن القارئ لا يعلم شيئًا، وسنبسط كل مفهوم، ونستدل بالعلم والمنطق والقرآن، لنكشف عن عظمة هذه النعمة التي ليست مجرد "مواشي"، بل هي هندسة إلهية لدعم مسيرة الإنسان على هذه الأرض.
الفصل: الأنعام، الـ "Upgrade" الإلهي الذي صنع الحضارة
  1. لمحة عن الماضي: الإنسان في مواجهة الطبيعة

قبل أن نبدأ، تخيل معي حياة الإنسان الأول. لم يكن الأمر سهلاً كما نتصور. كان الحصول على البروتين الحيواني، الذي يعتبره العلماء عاملًا أساسيًا في نمو الدماغ البشري وتعزيز الذكاء، مهمة شبه مستحيلة. كان الإنسان صيادًا، لكنه لم يكن أقوى الصيادين.
للحصول على ثور بري أو غزال، كانت تتطلب الأمر مجموعة كاملة من البشر المهرة، يتعاونون ويتتبعون الفريسة لأيام، ويخاطرون بحياتهم في مواجهة حيوانات ضخمة أو مفترسات أخرى تنافسهم على الطريدة، وقد يفترسونه هو شخصيًا! وفي النها странствено, كانت النتيجة قليلة وغير مضمونة.
أما فكرة الحصول على حليب من جاموسة وحشية أو ماعز جبلي، فكانت ضربًا من الخيال العلمي في ذلك الوقت. هذه الكائنات كانت مبرمجة على الفرار والقتال دفاعًا عن نفسها. الاقتراب منها كان يعني الموت أو إصابة بليغة. كانت العلاقة بين الإنسان وهذه الحيوانات علاقة صراع وخوف، لا علاقة تسخير ومنفعة.
  1. "الانقلاب" المفاجئ: لغز متلازمة الاستئناس

وهنا، في لحظة فارقة من تاريخ البشرية، حدث شيء مذهل. شيء يصفه العلماء اليوم ولكنه يظل لغزًا محيرًا في سرعته وتزامنه. ظهرت فجأة، بكل المقاييس الأركيولوجية، ثمانية أنواع من الحيوانات (وهي التي يشير إليها القرآن بـ "ثمانية أزواج") وقد أصابتها "متلازمة" غريبة، غيرت من طبيعتها الوحشية تمامًا.

ما هي "متلازمة الاستئناس" (Domestication Syndrome)؟
إنه مصطلح علمي يصف مجموعة من التغيرات الجينية والسلوكية المتكررة التي ظهرت بشكل متزامن في الأنواع التي دجنها الإنسان (الأبقار، الأغنام، الماعز، الإبل...) مقارنة بأسلافها البرية. وكما أشارت دراسات علم الوراثة والآثار، مثل أبحاث العالم الروسي دميتري بيليايف (Dmitry Belyayev) الشهيرة على الثعالب، فإن هذه المتلازمة تشمل:

تغيرات هرمونية: انخفاض هائل في إفراز هرمونات الخوف والتوتر من الغدة الكظرية، مما جعلها كائنات وديعة ومسالمة.
تغيرات في الدماغ: تقلص في حجم بعض أجزاء الدماغ المسؤولة عن ردود الفعل العدوانية.
تغيرات شكلية: مثل تغير لون الفراء، مرونة الأذنين، وقصر الوجه.

التوقيت المذهل:
الأمر الأكثر إدهاشًا هو توقيت حدوث هذا "الـ Upgrade" الأحيائي. لقد تزامن ظهور هذه الأنواع المستأنسة بشكل شبه فوري (جيولوجيًا) مع "الثورة النيوليتية" (Neolithic Revolution) قبل حوالي 10,000 عام. هذه هي اللحظة التي انتقل فيها الإنسان من حياة الصيد والترحال إلى الاستقرار والزراعة وبناء الحضارات الأولى.

فهل يعقل أن يكون هذا مجرد تطور عشوائي وبطيء؟
المنطق العلمي نفسه يقف حائرًا. أن تتغير ثمانية أنواع مختلفة ومنفصلة جينيًا، في مناطق متفرقة من العالم، وتكتسب كلها نفس "المتلازمة" التي تجعلها خادمة للإنسان تمامًا، وفي نفس التوقيت الذي كان الإنسان فيه بأمس الحاجة إليها ليخطو خطوته الحضارية الكبرى... هذا لا يبدو عشوائيًا على الإطلاق!

إنه أشبه بـ "ترقية" أو "Update" تم إطلاقه دفعة واحدة لمجموعة من "البرامج" الأحيائية لتتوافق مع "نظام تشغيل" جديد هو الإنسان العاقل المتحضر.

  1. التفسير القرآني: "وَأَنْزَلَ لَكُمْ"

هنا، يأتي القرآن ليقدم الكلمة المفتاحية التي تحل اللغز:
﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ...﴾ (سورة الزمر: 6).

كلمة "أنزل" هنا ليست مجرد كلمة عابرة. في لغة القرآن، "الإنزال" هي عملية انزال حقيقية و لقد تكلمنا في فصل في آخر الكتاب عن آية إنزال الماء و أنزال الحديد و أن بالفعل الماء إنما أنزل إلي الأرض انزالا عبر القصف الكوكبي الأول لأن الأرض في تاريخ تكونها الاول كانت جافة جدا تسرب كل بخار الماء في الفضاء قبل تكون غلاف الأرض الجوي للارض كما أن الحديد كذلك هبط أكثره إلى المركز مكونا نواة الأرض الصلبة باعتباره أثقل العناصر في كتلة ملتهبة ..ولذلك كان الحديد نادر جدا في القشرة الأرضية ..واغلب الحديد المستخدم اليوم في عصب الصناعة اللازمة للبناء و الدروع هو من القصف النيزكي الأول كذلك ...فالإنزال حقيقة فزيائية نصية كذلك ما نعتقده من حدوث upgrade على أنواع الانعام الثمانية هو ترقية متكاملة أنزلت إنزالا بتلك الأنواع الجديدة على نسخ أقدم أكثر توحشا و أقل فائدة فإنزلت هذه الأنواع الجديدة بشيفراتها الجينية المحدثة مع القابلية الفريدة للاستئناس، وهيأها لتكون هدية جاهزة للبشرية في لحظة انطلاقها نحو الحضارة.

فالعلم يصف لنا "كيف" حدث التغيير (عبر طفرات في جينات التحكم العصبي والهرموني)، والقرآن يخبرنا "لماذا" ومن الذي أتاح هذا التغيير من الأساس. إنه ليس تطورًا أعمى، بل إنزال و تدبير وبرمجة وهندسة إلهية.

  1. تسخير لا مثيل له في عالم الأحياء

يا صديقي، انظر حولك في مملكة الحيوان. هل رأيت نوعًا ما، غير الإنسان، سخّر لنفسه هذا الكم الهائل من الأنواع الأخرى بهذا الشكل الاحترافي؟ هل رأيت قردًا يمتطي حصانًا ليذهب إلى عمله، أو طائرًا يحلب بقرة ليطعم صغاره؟ (هذا لا يحدث إلا في أفلام هوليوود!).
هذه العلاقة فريدة من نوعها بشكل مطلق. فالأنعام تقدم للإنسان منظومة حياة متكاملة:
الغذاء: لحم ولبن. ﴿...وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ (النحل: 5).
الكساء والدفء: صوف ووبر وشعر وجلود. ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا...﴾ (النحل: 80).
النقل والعمل: للحمل والركوب والحرث. ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ (غافر: 79).
رمز للثروة والزينة: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ...﴾ (آل عمران: 14).
هذا التسخير الشامل هو برهان منطقي على أن هذه العلاقة لم تنشأ صدفة، بل هي جزء من تصميم أكبر كُرّم فيه الإنسان ومُكّن في الأرض.
  1. تحريف الآية: حين تتحول النعمة إلى فتنة

إذا كانت الأنعام بهذه العظمة، وبهذا الدور المحوري، نفهم لماذا كانت دائمًا محورًا للشكر... ومحورًا للشرك أيضًا. وهنا تبرز عبقرية الشيطان في فتنة السامري مع بني إسرائيل.
لم يخترع السامري وثنًا عشوائيًا. بل استغل بذكاء أقوى رمز للنعمة والحياة والخصب والثروة في ذلك الزمن: العجل. لقد أخذ "النعمة" وحوّلها إلى "إله". لقد قام بتحريف الآية، فبدلًا من أن ينظروا إلى العجل كدليل على قدرة ورزق الله، نظروا إليه على أنه هو الإله نفسه.
وهذا بالضبط ما حذر منه القرآن مرارًا وتكرارًا، واصفًا ممارسات الجاهلية التي كانت تحرف الهدف من نعمة الأنعام:
﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا...﴾ (الأنعام: 136).
﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا...﴾ (الأنعام: 139).
لقد فعلوا تمامًا كما فعل السامري، وكما حذر إبليس نفسه أنه سيفعل: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ (النساء: 119). إن أعظم تغيير لخلق الله ليس في الشكل، بل في تغيير الوظيفة والمعنى؛ تحويل المخلوق إلى خالق، والنعمة إلى معبود.
ولهذا، كانت أعظم شعيرة شكرانية في الإسلام، الحج، مرتبطة بالأنعام ارتباطًا وثيقًا، لتعيد الأمور إلى نصابها:
﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ... عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ...﴾ (الحج: 28).
الشكر يكون لله على النعمة، وليس للنعمة ذاتها.
خلاصة لكل متأمل
يا صديقي القارئ، في المرة القادمة التي ترى فيها شاة أو بقرة، لا ترَ مجرد حيوان، بل انظر إلى آية عظيمة من آيات الله. تذكر أنها لم تكن لتكون هكذا لولا "إنزال" إلهي، و"هندسة" ربانية أودعت فيها سر خدمتك. تذكر أنها كانت الشرارة التي أطلقت الحضارة البشرية.

وتذكر أيضًا أن هذه النعمة، ككل النعم، هي امتحان. فإما أن تدفعك إلى الشكر وذكر اسم الله عليها، وإما أن تصبح، إذا غفلت، صنمًا ماديًا في قلبك، يشغلك عن المنعم الحقيقي. فسبحان من خلق، وسخر، وأنزل، ودبر، وجعل في خلقه آيات وعبر لقوم يتفكرون.
من شفرة الكون المادية إلى كلمة الوحي الإلهية
في رحلتنا لتدبر كتاب الله المسطور وكتابه المنظور، نجد أن دقة اللفظ القرآني تحمل في طياتها مفاتيح لفهم مستويات القدرة الإلهية وعلاقتها بقوانين الكون. ومن أعمق هذه المفاتيح، التفريق بين مصطلحي "الإنزال" و"الإخراج"، وهو تفريق يكشف لنا الفرق الشاسع بين الخلق الإلهي التأسيسي، وبين ما ينتج عن الأسباب والآليات الأرضية، بما فيها تدخل الإنسان المحدود.
(1) "الإنزال" و"الإخراج": التأسيس والبناء
للوهلة الأولى، قد تبدو الكلمتان مترادفتين، لكن بتتبع ورودهما في القرآن، نكتشف نظامًا دقيقًا:
• الإنزال: هو فعل الخلق الأعلى، التأسيسي، والأصيل. إنه دائمًا ما يرتبط بإيجاد أصل الشيء أو قانونه الأول.
• الإخراج: هو فعل الإبراز والإظهار عبر وسائط وأسباب موجودة مسبقًا. إنه البناء الذي يقوم على أساس موجود.
والآية الجامعة التي توضح هذا الفرق بجلاء هي قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ (الأنعام: 99). التسلسل هنا معجز: "أنزلنا" الماء (الفعل التأسيسي الأول)، ثم كنتيجة لهذا الإنزال وبواسطة الماء كسبب، "أخرجنا به" النبات. فالنبات لم "يُنزل"، بل "أُخرج" من الأرض التي أصبحت قابلة للإخراج بعد أن "نزل" عليها شرط الحياة.
(2) الإنزال: من المجاز البلاغي إلى الحقيقة الفيزيائية
قد يظن البعض أن "الإنزال" مجرد تعبير بلاغي عن العطاء من مقام عالٍ، ولكنه في الحقيقة أعمق من ذلك بكثير، إنه في كثير من الأحيان وصف لحقيقة فيزيائية ملموسة، كما يتضح من آيات كونية كبرى:
• إنزال الماء والحديد: كما فصلنا سابقًا، تشير أقوى النظريات العلمية اليوم إلى أن ماء الأرض وحديد قشرتها لم يتكونا هنا، بل "أُنزلا" إليها إنزالًا حقيقيًا عبر القصف النيزكي والمذنبات في مراحل مبكرة من عمر الكوكب. فالقرآن حين يقول ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ و ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ لم يكن يستخدم تعبيرًا مجازيًا، بل كان يصف حقيقة كونية لم يصل إليها العلم إلا حديثًا.
وهنا نصل إلى جوهر الموضوع، حاملين هذا الفهم المادي للإنزال، لنقرأ آية الأنعام من جديد: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ (الزمر: 6). إن هذا الفهم الجديد يجعلنا نطرح تصورًا ثوريًا: ما حدث للأنعام لم يكن مجرد ترويض بطيء، بل كان "إنزالًا" بالمعنى الحرفي تقريبًا؛ "إنزال" لترقية جينية (Genetic Upgrade). وكأنما كانت هناك نسخ برية قديمة من هذه الأنواع، ثم في اللحظة المقدرة، "أُنزلت" شفرة جينية محدثة، فظهرت هذه الأنواع الثمانية الجديدة بـ"متلازمة الاستئناس" جاهزة لخدمة الإنسان، لتكون هدية إلهية متزامنة تمامًا مع بزوغ فجر الحضارة.
(3) المبرمج والمستخدم: الفرق بين الخلق الإلهي والهندسة البشرية
والآن، بعد أن رأينا عظمة "الإنزال" كفعل تأسيسي وفيزيائي، يتضح لنا الفرق الهائل بينه وبين ما يستطيعه البشر. وهنا يأتي دور مثالك العبقري من عالم البرمجة:
• الخلق الإلهي ("الإنزال") يشبه برمجة نظام تشغيل كامل (مثل Windows) أو اختراع لغة برمجة جديدة (مثل Python). إنه وضع القوانين الأساسية، وبناء النواة (Kernel)، وتصميم القواعد التي لا يمكن الحياد عنها. الله سبحانه هو مبرمج "نظام تشغيل الحياة" أي الشفرة الجينية.
• الهندسة البشرية (شكل من "الإخراج") تشبه استخدام البرامج الجاهزة على هذا النظام. نحن في الهندسة الوراثية لا نخلق جينًا واحدًا من العدم. كل ما نفعله هو "نسخ ولصق" جين من كائن لآخر، أو استخدام أدوات النظام لتسريع عمليات الانتخاب. نحن نتعامل مع "صناديق سوداء مغلقة" لا نفهم شفرة برمجتها الأصلية. نحن كمستخدمي برنامج "الرسام"، نستخدم أدوات جاهزة لإنتاج رسومات جديدة، لكننا لا نستطيع تعديل شيفرة البرنامج نفسه، وأي محاولة عابثة لذلك ستؤدي لانهيار النظام بأكمله.
وهذا التفريق الدقيق يلقي بظلاله على آيات المستقبل، مثل قوله تعالى: ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ...﴾ (النمل: 82). إن استخدام كلمة "أخرجنا" هنا، وليس "أنزلنا"، يحمل إشارة قوية. فكونها "مُخرجة" يعني أنها ستظهر عبر آليات وأسباب أرضية. وقد يسخر الله لهذه الغاية علوم البشر أنفسهم حين تصل إلى ذروتها، فتكون هذه الدابة التي هي نتاج "إخراج" من الأرض، وربما من صنعهم، هي أكبر حجة عليهم.
(4) ذروة الإنزال: من هو وكيل "كن فيكون"؟
والآن، نصل إلى القمة التي تتوحد فيها كل الخيوط. إذا كان الإنزال يشمل المادة (الماء والحديد) والبيولوجيا (الأنعام)، فماذا عن أعظم ما أُنزل على الإطلاق؟ يقول الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾، ويقول: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾.
هنا تتحد كل المسارات. فالإنزال لا يقتصر على الأمور المادية، بل يشمل الأمور العظمى، المعلوماتية والروحية. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك علاقة بين من "ينزل" الوحي، ومن "ينزل" شفرة الحياة؟ الجواب يكمن في آية الخلق الأعظم، معجزة عيسى عليه السلام. يقول تعالى عن مريم عليها السلام: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا﴾.
لنتأملها بعين العلم: لكي يولد ذكر، لا بد من وجود كروموسوم Y، وهو مستحيل أن يوجد لدى أنثى (XX). فمن الذي برمج وأضاف التسلسل الجيني الذكري الآخر وشق خلية الزيجوت في رحمها؟ هنا يأتي دور "الروح". إن "النفخ" لم يكن مجرد فعل رمزي، بل كان عملية "إنزال" وتشفير حقيقية. إن الروح الذي نزل بالكلمة الإلهية المكتوبة في الكتب، هو نفسه الذي نزل ليكتب الكلمة الإلهية في الشفرة البيولوجية (DNA) لعيسى عليه السلام.
وهنا تتسع الدائرة بشكل مهيب:
• إن "الروح" هو من كتب تحديث شفرة آدم ليصبح خليفة، ناقلًا إياه من طور الكائنات الأرضية البدائية إلى طور الإنسان المكلف.
• وهو من كتب تحديث شفرة الأنعام الثمانية، فأنزل عليها "متلازمة الاستئناس".
• وهو من كتب شفرة عيسى عليه السلام في رحم أمه.
• وهو من "ينزل" بكلمات الله في القرآن على قلب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
الخلاصة: وحدة الماكينة والمصدر
إنها ليست مصادر مختلفة، بل هي ماكينة خلق واحدة، ووكيل إلهي مهيب واحد. إن "الروح" هو ذلك المخلوق العظيم، هو الـ "Creator Coder" الكوني الذي يمثل الواجهة التنفيذية لكلمة الله العليا "كُنْ"، فيترجمها إلى حقيقتها النهائية "فَيَكُونُ".
فكلمة الله في كتابه المنزل، وكلمة الله في شفرة الحياة الكامنة في خلايانا، مصدرهما واحد، ووكيل إنزالهما واحد. وهذا يجعلنا ننظر إلى الكون كله، من الذرة إلى المجرة، من الجين إلى الوحي، باعتباره تجليات لكلمة إلهية واحدة، أنزلها الخالق الأعظم بواسطة "روحه" لتدلنا عليه. وفي كل ذلك، آيات لقوم يعقلون.
)

المهم
الحقيقة التي لا مرية فيها أن السامري لبس على بني اسرائيل الأمر بتحريفه للكلم عنمواضعه فأخذ بعض كلام ووصى موابراهيم التي عرفوها و هي كلمات متشابهة كأن قال لهم إن الأنعام نعمة عظيمة ألا ترون العجل هذا صنع الله لكم تحرثون أرضكم و هو لحم غني بالغذاء ..إلخ المهم ان الدليل أن السامري فعل فتنته بالتحريف أنه أقنعهم أن هذا التعظيم لهذا العجل هو سبيل موسى نفسه فقال الله ان الله تجلي لكم بايات ونعم ومن اعظمها رمزية هذا العجل الذي تتجلى فيه قدرة الله فحولها لانها تجليات لذات الله فنسى و صنع لهم عجلا رمزيا يعكفون عليه في اعتقادهم ان هذا من تأليه تجليات الله في الوجود
و الحقيقة أن من يشرب تلك المتشابهات لا يشربها إلا لانه غير مستمسك بالمحكم و غير مدرك لأصل الرسالة او يعقلها أو يفهمها لأن نعم العقل توجب على الانسان التفكير المنطقي فلا يمكن أن تهدم المحكمات لصالح المشتبهات بل العكس يرد المتاشبه إلى المحم و لا يمكن أن تهدم حقيقة الدين و العبودية لصالح

وهي قصة كل عالم سوء و قصة كل شرك سيتم جمع بعض من مشتبهات أثار الرسول و ليس رسالتهم ذاتها و تحريفها عن موضعها ثم ايهام الناس ان هذه هي دعوة الرسل والتمسح بها
السامري لم يقل لهم ان هذا العجل صنم من أصنام الهندوس ويجب عليكم تعظيمه بل قال لهم أرأيتم وصايا ابراهيم بشكرانية الله في الانعام التي من اعظم نعم الله عليكم التي كان ابيكم ابراهيم يقيم نسك الحج شكرانية على ما رزقهم من بهيئمة الانعام تأملوا هذا العجل ودقة صنعه إنه تتجلى فيه قدرة الله
ولقد أحكم صنعة العجل المادية فجعله من داخله خواء كامل وهي حقيقة كل دعوة باطلة ظاهرها ذهب وضة و زخرف و فخامة ولن هي صنم خاوي المعاني و الحياة و هذا الخواء من عظم فتنة إذا مر فيها الريح أظهر صوت ..صوت خوار ..يشبه صوت العجل الحقيق وما عجل حقيقي
والعجيب أن هذا العجل لو نظرنا في حقيقته فلو أن بنوا اسرائيل وقعوا في مجاعة لم تنفعهم أطنان الذهب والفضة لتسد رمق جوعهم ولصار قطعة لحم من عجل حقيقي تساوي كل كنوزهم وهذا التراب اللامع
والغريب أن بنو اسرائيل اتخذوا العجل البقر و هذا لميلهم للجانب الذكوري من المعبودات المادية مع إن البقرة كانت أوقع لأن البقرة تتجلي فيها نعم أكبر و أكثر فيخرج الله من ضرعها من بين فرث و دم لبن أبيض مغذي سائغ للشاربين
ولكن فتنة بني اسرائيل مع البقرة كانت من نوع آخر وهي في التنطع و الغلو العملي ..وهي حقيقة الوجه الآخر من عملة الغلو والجانب الأنثوي من الضال وهناك لطيفة أخرى أن المرأة و الجانب الأنثوي من الفتنة و نجد أن الشرائع الباطلة داما ما تكون المراة محل لأحكام الغلو و الأصرار و الأغلال ...فتجد أنهم يحملونها وزر الخروج من الجنة الاولى و الخطيئة الأولي التي أنزلتنا إلى الأرض ثم يعتبر اليهود المرأة وقت حيضها نجسة ينابذونها و يخرجوها من أماكن عبادتهم و يحظرون كل قربة إلى الله و يخرجوها من بيوتهم و يعتبرونها نجسة وكل ما لمست ..مع أن فترة الحيض أولي فترة لرعاية المراة وهو مرحلة معبرة خصوبة النوع البشري كله فهي أهم أوقات الرعاية و الرحمة بها
ثم إن تشريعات الغلو في الحجاب و الرجم و التحكم و التحقير و النجاسة والغلو كلها تقع على كاهل الجانب الأنثوي من المجتمع و الوجود ..فرمزية عبادة الفحل العجل تأتي من عبادية لجانبهم الذكوري المتعاظم المتسلط المتجبر المتكبر المغرور ثم هم هو عجل لامع فارغ كله خواء لا يرجع قولا
ولقد نجح السامري نجاحا مهولا في إضلالهم في فترة زمنية قياسية
إن أمتنا عبدوا العجل بعد أربعين سنة من الرسالة بينما قوم موسى عبدوا العجل عندما تركهم أربعون يوما فقط و انتقل السامري وضغط كل الفتنة في بضعة أيام
إنها في رأيي معجزة معجزة ليضرب الله لنا مثال كيف علماء السوء قادرون على تحويل الديانة الإسلامية الحنيفية الإخلاصية لله إلى وثنية صرفة تشبه وثنية الفرعانة اعداء بني اسرائيل في عدة أيام فما بالك عبر عدة أجيال ..جيل وراء جيل
إن عبادة العجل رمزية رمزية لمحبة الزينة و الدنيا و تقديس التراب الامع الزائل الذي لا قيمة حقيقة له وعبادته من دون الله دفعهم في النهاية لتأليه ظاهر من الحياة الدنيا ثم عبادة واتباع و طاعة علماء سوء حرفوا لهم الدين و ما أن يخالف الكاتلوج المنزل من السماء فهو كان تضع طين وتراب في مكان مسحوق غسل الأطباق ثم تفتح تجد الأطباق كلها طين و الغسالة فسدت وخربت للأبد والطلبة تهشمت ...وكأن تضع في السيارة ماء بدلا من البنزين ثم تتعجب لماذا توقفت و خربت بوجيهاتها .
أن الانسان ما هو إلا صنع الله ولا يصلح إلا أمر الله و حكم الله فقط فإن حكم فيه وفي عالمه غير الله إلا وفسد فسادا مهولا لذلك مسألة الاحتكام لغير الله و تبديل مصدر التشريع لغيره هي أصل مصيبة عبادة غير الله يعني طاعة غير الله طاعة منقادة تامة مع الاعتقاد بتمام الحكمة و التأليه و المحبة
و اخلاص الدين يعني الدينونة و الخضوع ليس نافلة من القوة بل عليه صلاح الدنيا و الآخرة وضده هو فسادها ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذقهم بعض الذي علموا لعلهم يرجعون )
إن من لم يدرك تلك الحقيقة قبل انقضاء عالمه الاختباري الادني فسيخلد في منطقة مظلمة من العالم جحيمية معبرة رضائه بترك حقيقة نور الله و تعظيمه التي لم يعقلها و لم ينفعه فؤده ولا حواسه و لا عقله لفهمها
نرجع لفتنة السامري إن قوم موسى – إلا ما رحم ربي- ظلوا عليه عاكفين
نرجع للتأمل في المشهد كله
فتدبروا قال الله تعالى ( قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ () فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي ()قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيّ () فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٞ فَقَالُواْ هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ ()أَفَلَا يَرَوۡنَ أَلَّا يَرۡجِعُ إِلَيۡهِمۡ قَوۡلٗا وَلَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا () وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَٰرُونُ مِن قَبۡلُ يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِي ()قَالُواْ لَن نَّبۡرَحَ عَلَيۡهِ عَٰكِفِينَ حَتَّىٰ يَرۡجِعَ إِلَيۡنَا مُوسَىٰ ()قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذۡ رَأَيۡتَهُمۡ ضَلُّوٓاْ ()أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي ()قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِي () قَالَ فَمَا خَطۡبُكَ يَٰسَٰمِرِيُّ ﱞ قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِي نَفۡسِي ﱟ قَالَ فَٱذۡهَبۡ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَۖ وَإِنَّ لَكَ مَوۡعِدٗا لَّن تُخۡلَفَهُۥۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ إِلَٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلۡتَ عَلَيۡهِ عَاكِفٗاۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُۥ فِي ٱلۡيَمِّ نَسۡفًا ﱠ إِنَّمَآ إِلَٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَسِعَ كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمٗا ) الايات من85 إلى 98 سورة طه

فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٞ فَقَالُواْ هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ
فقالوا هذا إلهكم و إله موسى ...لنفهم حقيقة مهمة هنا ان عالم السوء لا يريد من الناس أن يقولوا أن موسى سفيه أو مجرم ..بل هو يريد كما يريد الشيطان الغاية الأكبر هو إضلالهم وسواء وقع الشرك بتأليه الشمس أو القمر أو الملائكة والأنبياءؤ و الرسل ...كلها سيان و كلها تصب لهدف الشيطان الاعظم لاقعدن لهم صراطك المستقيم يريد صدهم عن غائية حياتهم من العبودية الاختيارية لله حتى لا تجد أكثرهم شاكرين كما قال الملعون ابليس عليه لعائن الله و غضبة تترى إلى أبد الأبدين الجاحد المستكبر
إن عالم السوء لا يريد أن يثير انقلابات ظاهرية في المجتمع بالعكس أنه يجد موجة دنياوية من قوم يحبون الزينة و الزخرف و يريدون زخرفا يعجبهم
الغريب أن قوم موسى وجدوا مروا قبلها على قوم يعكفون على أصنام لهم فأردوا أن يجعل لهم موسى إلها كما لهم ألهة مجسد قال الله تعالى ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)
وهنا صدم موسى مما اغضبه و فهم أنهم انهم يجهلون حقيقة الأيمان أصلا
الانسان يريد أن يجعل الايمان حقيقة ملموسة يدركها بحواسه ليست غيبية فهو لا يريد أن يستخدم نعمة الله عليه بالعقل للاستدلال المنطقي على وجود الله
فالإداراك الحسي عبر الحواس الخمسة هو ادراك محدود جدا و يمثل أقصى الطاقة المادية والغريب أن أغلب النظريات الفيزيائية الكبري هي براهين رياضية وعقلية لم يمكن حين اكتشافها رصدها بالحواس
ففكرة تسلا عن التيار المتردد للكهرباء و إماكنية استغلاله ظلت محل مقاومة مهولة من علماء الكهرباء أنفسهم كإديوسن و المجتمع ككل حتى كان يعتبر تسلا مخرفا و رغم ذلك انتصر النور الذي أتي بهم عليه كلهم وصارت الكهرباء المترددة هي المسئول الأكبر عن ثورة الاتصالات التي نحياها فلولها لما أضيأت الشوارع و فتحت المصانع و أنشات مراكز البيانات العملاقة
و إن النظرية النسبية نفسها كانت مجرد فرضية رياضية بحتة لا تقام إلى على شواهد حسية بسيطة و بقيتها براهين رياضية وكانت تحدي للتصور التقليدي لفزياء نيوتن فما بها تجعل كل مفاهيمنا عن الكون والوجود تنهار أم فرضياتهم
ثم جاءت النظرية الكمومية لتقلب الطاولة على الجميع رغم استحالة ادراك حقيقتها فعليا و لو سمعت فرضيات نظرية الكونتم لعلمت أنها عبارة شيء كالخيال العلمي فالطبيعة الموجية للمادة في وحداتها الادق تجعل التعامل مع المادة معقد و مهول التنظيم و الضبط بشكل فوق كل التصورات البشرية
و أن كنا لم نحيط علما بالتلك الحقيقة الكمومية للمادة إلا أن تطبيقاتها نراها عينا في أدمغ ما وصل اليه البشر من أول القنبلة النويية إلى مختبرات أكبر شركات العالم التقنية التي تسعى ليل نهار لتطوير معالجات كمومية تستفيد من تلك الظاهرة العجيبة التي فوق المشاهدة والخيال والكامنة في طبيعة المادة ذاته التي ليست فقط بين أيدينا بل التي يتكون منها جسدنا الفيزيائي الضعيف
إن الثقوب السوداء و الظواهر الكونية المهولة الكبرى ظل الاستدلا اعليها مجرد برهان عقلي رياضي ولا نستطيع امساك أي دليل مادي فالثقب الاسود يستحيل رأيته بتسلكوب ضوئي مهما بلغت قوته لان الضوء نفسه يتم شفطه وسحبه داخل الثقب الاسود و تصويره الحديث احتاج لأجهزة محاكة عملاقة جدا قادرة على تجميع ملايين الصور المرئية لاشتباكات تغيرها الوصول لنقطة المحورية المركزية التي لا يمكن أن نراها بحواسنا ونستدل فقط عليها بمنطقنا
ان كل هذه السردية التي استفيض فيها عن الإيمان بالغيب لأنها هي ذاتها ركن الأيمان الأول المنزل في الكتاب
ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين () الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون
إنه السابق على الأعمال الظاهره وحتى أمها التي اتصال بالله ...كيف سنثبت اتصالا نفسيا بالله و أثقال جسديا بطاعة أمره و الانسياق لقانونه جل وعلا دون أن ندرك ونري حقيقته و تتمكن من قلوبنا
و إن الإيمان بالغيب فرق بينه و بين الخرافة والاساطير شعرة ..لماذا لأن القرأن لم يرد أبدا أن نؤمن بشيء لا يمكن تعقله أو الاستدلال المنطقي والفكري عليه بل طالبنا دائما بالتعقل و النظر و التفكر قبل الإيمان لأنه هذا فكر جوهري بين التقليد الأعمائي الذي هو صفة الكفار و التعقل و التفكر و التدبر التي هي دائما صفات المؤمنين الازمة لكل اعتقادتهم
إنني كنت أتعجب دائما من أن مفاتيح دائما و مطلع الكلام عن اي قضية إيمانية يبدأ بالاستدلا على حقائق فزيائية كونية و طبيعية تدرك حواسنا
لا تجد أبدا أي مشهد إيماني في القرأن إلا ومسبوق بتعديد آيات و بيانات فيزيائية و كونية و بيولوجية و أركولوجية و أجيولوجية
إنها استدلال على كون يمضي بنسق منتظم و قوي وثابت و سنة من أهلاك الظالمين و نصرة المؤمنين رغم أن بقوانين المادية البحتة النتيجة التي قد يظنها العقل بدون اهتداء و المنطقية أن يبقى الاكاسرة و الفراعنة و القياصرة و ينقرض اتباع الرسل الضعفاء بكنو اسرائيل واصحاب موسى و المسيح ومحمد ..لكن العجيب أن ديانتهم هي الاكثر اتباعا حتى بعد التحريف بينما الفراعين و الأكاسرة و كل الجبابرة من أول قوم نوح لقوم شعيب وصالح و هود وفرعون نرى مساكنهم خاوية و عبرة لان سنة الله فيهم ماضية
إن فرق شاسع بين الإيمان العلمي المبني على براهين العقل و النظر و التأمل و بين الإيمان المبني على أقوال و تقريرات الأرباب من دون من الأحبار والرهبان
إن فرق شاسع بين فئة مؤمنة ليس فيها فرقة ثيوقراطية تفوض كوساطة و وسيلة للإله وتدعي الحق الحصري للفهم و التفسير و التقرير عن الكون بين تخلية كاملة بين الله وبين عبيده
و للعلم دور الرسل ليس أنهم وسطاء للفهم ..بل جعلت أجسادهم التي تمتلك موهبة مهولة من التواصل مع الناموس الكوني الأعظم و قلوبهم الصاغية التي كانت مثالا عظيما للتطبيق العملي هي قنطرة تبليغ و إن كان العقل وحده كافي للوصول للحقيقة ان الكون وراءه نسق و نظام وغائية جعلت كبار الفلاسفة من سقراط و أفلاطون و ارسطوا وصولا لكانط لاكتشاف الضرورة العقلية للإيمان بالله و اليوم الآخر
وجاءت سبل الرسل بنسق أعمق كقنطرة تبليغ و ليس تقليد ...والفرق بين أن يتعاضد البشر بوعيهم الجمعي لفهم الكون و العبودية لله و بين اتخاذ بعضهم بعضا اربابا كفارق بين السماء والأرض بتوليد طبقة ثيوقراطية تحتكر الفهم للدين و الوساطة و الوسيلة وحدها والباقي يجب أن يطيعها و يتبعها و يعظمها وهذا جوهر الربوبية و التحكم و الألوهية و التعظيم من اعلى درجات الاتباع و الانقياد الظاهرة و التأله و المحبة الباطنة التي هي حق لله وحده .فوجود تلك الفرقة المختصة بما يسمى علماء الدين هو دلالة على فساد تلك الأمة فسادا بالغا
فما من رسول دخل لقوم وقال اتبعوني وانتم باطل وسكت و جعل العلة أنه مفوض من الله لا اطلاقا بل قال أنا بشر مثلكم ولا أدري ما يفعل بي ولابكم أنا فقط اكتشفت حقيقة عظمي سأرشدكم إليه وهذه الحقيقة لا يمكن الوصول إلا بعقولكم انتم لا بتقريراتي أنا فتجد كل نبي قبل أن يسرد لهم دعوته يبين لهم أن استدلالتهم المنطقية على ألهتهم باطلة و انهم لا يدعوهم لاي تأله لصنم مادي بل لحقيقة عظمى خلف كل الكون و المادة ظاهرة لا نحيط بها علما لكننا ندرك أثار صفاتها و افعلها علينا في كل ذرة في أيات الله في كل شيؤ فهم لا يدعونهم إلا إلى رب السموات و الأرض ..ما أعظم رسالات الرسل ..وما أجمل أن يدعوا انسان للكفر بكل الأرباب الأرضية و السماوية ..إلا رب السموات الخالق جل وعلا ...الرب الذي خلف الناموس الكوني الأعظم ..الله الذي هو ظاهرة فوق كونية وفوق مادية أوية و أخرية باطنية و ظاهرية لا يحدها زمان أو مكان بل هي فوقه وتسبقه فهو جل وعلا الأول و الآخر و الظاهر والباطن
ومحاولة بنو اسرائيل لتجسيم الله و تأكيد إمكانية ظهوره وتجليه في مظهر مادي في زعمهم في ناقص هي محاولة دئوبة لكل علماء السوء على مر العصور و فضلا على أنها في انتقاص لله جل وعلا وهو ما يحال في قلب كل موحد فإنها أيضا هدفها تؤدي بصاحبها تحويل الناس من التأمل إلى تقليد و من التدبر إلى عمى و من الألوهية إلى صنمية و التمتع بالخلاق و الفساد و الانحراف و استغلال البشر و استعبادهم و ظلمهم و استغلال طائفة لأخرى وهذا هو الشر المبين طائفة مستكبرة و طائفة جاهلة مستعبدة لغير الله ولغير أمره مقلدة مستضعفة مستسلمة لعبوديتها لغير الله بل مدافعة عن ذلك وما الجند إلا مستضعفين ناصرين للطواغيت و ما استمد الطاغية قوته إلا من هؤلاء المستضعفين المدافعين لانه بمجرد التوقف السلبي عن العمل في منظومته كان سيصير وحيدا
المهم أن علماء السوء لغايتهم في ارادة استعباد الناس و أكل أموالهم بالباطل تحت باب التبرعات و السحت لأقامة المعابد الزخرفه وهذا نراه في أمول الناس المهولة التي يزخرف بها المساجد و المقابل و الكنائس و رجال الدين الذبن يمكلون المليارات و في نفس الوقت الفقراء من ذات فئاتهم يتضورون جوعا و هو تناقض سيفهم فسادة كل ذي لب ولا أعرف كيف لم يتنبه الأتباع لسوء غرض علماء السوء و الطغاة و استغلالهم لهم بنهب ثرواتهم واستضعافهم وتحويل حياتهم لجيحم من الغلو و القيود و الأغلال و افساد نظامهم الاقتصادي و الاجتماعي و الفكري والديني عموما
والغريب كما أخبرنا في قوله تعالى (وَجَٰوَزۡنَا بِبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱلۡبَحۡرَ فَأَتَوۡاْ عَلَىٰ قَوۡمٖ يَعۡكُفُونَ عَلَىٰٓ أَصۡنَامٖ لَّهُمۡۚ قَالُواْ يَٰمُوسَى ٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞۚ قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ (
) إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ مُتَبَّرٞ مَّا هُمۡ فِيهِ وَبَٰطِلٞ مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (*) قَالَ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِيكُمۡ إِلَٰهٗا وَهُوَ فَضَّلَكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ)انه قبل حادثة تصنيم العجل و العكوف عليه
قابل قوم موسى أقوام وثنيون يعكفون على أصنام لهم و علمهم موسى أنهم يجهلون جقيقة الإيمان بل وعلمهم استحالة أن يكون الله في صورة صنمية مهما ادعى علماء السوء لكم ذلك التجلي في اي ظاهرة كونية مشاهدة ملموسة صغرت أو كبرت كانت شمسا أو قمرا أو صنما لصورة ملائكية أو لرمزية أرضية ولكنهم وياللاسف نسوا و نسى السامري وانسي
وسنؤكد حقيقة أخر من ذات الكلام أن علماء السوء يحبون ركوب الموجة فإذا رأوا الناس قلوبهم تهوي الي الدنيا لا يقول لهم لا تفعلوا أو ينهاهم فهو لاي يحب أن يعكر عليهم أهوائهم فهو يسترضيهم و يريد منهم الجعلات و الاستغلال ولو كان يأمر و ينهي فلن يرضى عنه الناس وهو يطلب رضاهم
وسبحان الله فإن الجزاء من جنس العمل فما عظم قوم الزخرف و رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة حتى ظهر فيهم علماء السوء و صنعوا لكل أمة عجلها الصنمي الوثني و غلوا في دينهم غير الحق و اتخذوا التنطع في البقرة و الغلو في الاحكام سبيل فأفسدوا لهم ديناهم التي عبدوها من دون الله
ولو أنهم أمنوا واتقوا لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم ولو أنهم أمنوا واتقوا لفتح الله عليهم بركات من السماء و الأرض ولكن كذبوا فأخذهم بما كانوا يكسبون
والغريب لان علماء السوء يريدون ظاهرا للحياة الدنيا فأنهم يمشون على أهواء الناس و يستغلونها و ينموا فتنتهم والاهم يلبسوها ثوب دينا و علماء السوء لا يريدون تغييرا كبير مزلزل يجعل الناس سنفضوا عنهم فهم ليسوا اصحاب دعوة في الحقيقة بل هم متلونون تحت كل طاغية و في كل مجتمع بلونه
وقد رأيت هذا في التاريخ الاسلامي رأي العين فوجدت أن أكابر منظري التيار الثوري الذي قتل الخليفة عثمان الموالين آل علي هم هم أكبر منظري التيار الأموي حين غلب ..وانا وانا انظر في عمق نفسية عالم السوء كيف يتغير ولائه السياسي من الضد إلى الضد بهذه السهولة وهو هو بتلبيسه و إضلاله
فهم لا مبدأ لهم و الاهم أنهم لا يريدون تغيرات جذرية فلا يمكن أن يقول السامري إن موسى ضحل الفهم و سفيه وانا أعلم منه بل يقول ان ما أدعوكم إليه هي حقيقة دعوة موسى حتى صار اعتقادا جمعيا كما ترون في قول الله تعالى (َأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٞ فَقَالُواْ هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ)
فتحول التأويل البسيط لعقيدة جمعية فلم يقل الله فقال هذا إلهكم وإله موسى ...بل قالوا مما يدل على انه صار اعتقاد جمعي ونجح السامري في تأصيله كمفهوم لدى العامة بل وادعوا أن فهمهم لهذه الصنمية هو حقيقة دين موسى ..وكلمة نسى هنا أية وهي واضح من السياق أنها تعود للسامري – علماء السوء- عموما
ففعل فأخرج في أول الأية و فنسى في أخر الأية تدل على عالم السوء و من صفات علماء السوء أنهم من كثر إغراقهم في الضلال و الإضلا و التأصيلات الفاسدة ينحرفون عن أصل الرسالة تجدهم نسو ايات وأنسوها فإنك جايهتهم بها كانت كالصاعقة عليهم وكانهم أول مرة يسمعوها
إن ايات كقول الله تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)
وقول الله تعالى
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا
وقول الله تعالى (إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
تصير صدمة أمام تاصيلهم إن خلود أهل المعاصي في النار ضلال مبين فعندما تعرض تلك الآيات علي علماء السوء يكهربون وكانما أول مرة يسمعونها
وهذه قاعدة فيهم ان كل فرقة تغلوا في الدين تعقاب بالنسي
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ

و من الإشارات اللطيفة في الآية كلمة عكفوا (قَالُواْ لَن نَّبۡرَحَ عَلَيۡهِ عَٰكِفِينَ حَتَّىٰ يَرۡجِعَ إِلَيۡنَا مُوسَىٰ)
فهم اتخذوا الأمر عبادة و دينا و تقربا إلى الله حتى مارسوا فعل الاعتكاف وهو من أشد انواع التعبد والانقطاع لمعبودهم الباطل و الأدهى من هذا كله أنهم حين محاججتهم لأهل الحق يتحججون بشدة تمسكهم بدين الرسول موسى فما أجهل ما يفعلون و ما أضل ما يقترفون و ما أغرب قلبهم للحقائق و طبيعة اضلال الله لهم جزاء بنفاقهم فكان الجزاء من جنس العمل ادعاء الايمان وحقيته الكفر البحت الذي يختلف عن دين فرعون عدو موسى ..وما اشبه الليلة بالبارحة تكلمهم عن حق الله في الحكم قالوا بل نتبع السلف و تلك حقيقة دعوة الرسول .!ولكل فرقة سلفها و عجلها وصنمها الخاص وكلهم في شطط من أمرهم وشطط عن الحق يعبدون الشيطان المريد
وعكفان اتباع علماء السوء كان مدخله ادعاء التجسيم لله في ظواهر مادية و هي نقطة دقيقة
فكلمة روح الله و كلمة الله و صبغة الله و صنع الله ..كانت قنطرة لادعاء تجسيم و تجلي الله بذاته حقيقة في زعمهم في ظاهرة مادية مرئية .. والحق أن كل ما زعموه هي كلها اشياء تنسب لله لا لأن جزء منه حالل فيها أو انها شيء من ذاته و صفاته .إنما هي آثار لصفاته و أفعاله جل وعلا و أشياء نتجت عن أرادته ..و لم يعبد الفراعنة رع وهو الشمس و لا عبدت الهندوس البقرة و لا سجد الناس لبوذا و كنفوشيوس ولا عبد النصارى المسيح إلا أنه ظنوا أن تلك المظاهر هي تجليات ذاتية للإله و لقمة ناموس الطبيعة و نظامها و ناظمها ..... و الله ليس كمثله شيء و محاولة تدسيس أن أي شيء من ذات الله بيننا حقيقة تدركه حواسانا كالأشياء هو في ذاته أصل كل شر وجهل وشرك و أصل كل جهل على الله و جهل بالله ..فما تحول هؤلاء القوم لتحويل القرأن إلى وثن يتبرك به لا كتاب يتبع إلا لأجل هذه الفرية
وما عبد النصارى المسيح عليه السلام إلا لأن فهمهم للمسيح أنه كلمة الله وروح منه ..إلا لفهم استحالة ان تكون كلمة الله مخلوقة على اعتبار انها جزء من ذاتة و حقيقة من صفاته و ليست اثار لها

وساعود للمرة الثالثة لنقرأ مرة واثنين و ثلاثة لان التدبر عبادة و ما أعظمها من عبادة
لنعيد المشهد كله و نحاول التلخيص للفوائد وسبحان الله قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا
فالعجيب أننا بمجرد أننا أزحنا قول ترجمانات القرأن وكان القرأن أحاجي مغلقة و لغة أثرية مهجورة تحتاج لترجمة و ترجمانات و ليست بلسان عربي مبين بمجرد أن نزعنا الأسطورة السفيهة التي تصور مشهد السامري كفنزيا هيليودية تندرية لقصة فلوكرلية شعبية إلى نص نطبقه على واقع تطور الأديان و نشاة الشرك فكان نصا مهيبا يحتوي على رمزيات ومعاني لا انقضاء الله
وتلك حقيقة القرأن ولو تدبر فيه أقوام أخرين لوجدوا فوائد أكبر و أكثر وما التمعن و التنعم بالتدبر إلا بحر نعيمي لا ساحل لا تشبع منه عقول المؤمنين
فتدبروا قال الله تعالى ( قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ () فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي ()قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيّ () فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٞ فَقَالُواْ هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ ()أَفَلَا يَرَوۡنَ أَلَّا يَرۡجِعُ إِلَيۡهِمۡ قَوۡلٗا وَلَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا () وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَٰرُونُ مِن قَبۡلُ يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِي ()قَالُواْ لَن نَّبۡرَحَ عَلَيۡهِ عَٰكِفِينَ حَتَّىٰ يَرۡجِعَ إِلَيۡنَا مُوسَىٰ ()قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذۡ رَأَيۡتَهُمۡ ضَلُّوٓاْ ()أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي ()قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِي () قَالَ فَمَا خَطۡبُكَ يَٰسَٰمِرِيُّ ﱞ قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِي نَفۡسِي ﱟ قَالَ فَٱذۡهَبۡ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَۖ وَإِنَّ لَكَ مَوۡعِدٗا لَّن تُخۡلَفَهُۥۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ إِلَٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلۡتَ عَلَيۡهِ عَاكِفٗاۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُۥ فِي ٱلۡيَمِّ نَسۡفًا ﱠ إِنَّمَآ إِلَٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَسِعَ كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمٗا ) الايات من85 إلى 98 سورة طه

﴿قَالَ فَإِنَّا قَدۡ فَتَنَّا قَوۡمَكَ مِنۢ بَعۡدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ﴾ (طه: 85)
هذه الآية تكشف لنا سُنَّة إلهية عميقة: الفتنة تأتي دائماً من بعد مغادرة الرسول، والمُضِلُّ يستغل غيابه ليحرف "أثر الرسول" عن مقصده. إن الله تعالى يُخبر موسى بصيغة ﴿فَتَنَّا﴾ - فالفتنة مقدرة إلهياً، لكن الضلال اختيار بشري. وهنا دقيقة عجيبة: الفتنة من الله، والإضلال من السامري، فالله يبتلي والشيطان يستغل الابتلاء.
الغضب المقدس: عودة موسى إلى الفتنة
﴿فَرَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗا﴾ (طه: 86)
تأمل هذا المشهد: موسى كليم الله يعود ﴿غَضۡبَٰنَ أَسِفٗا﴾ - غضبان من الجريمة، أسف على القوم. هذا غضب الحق حين يرى الباطل يتلبس بلباسه! إن الأسف هنا ليس ضعفاً بل ألم المحب الذي يرى أحباءه يدمرون أنفسهم. وهي صفة لكل عبيد الله المؤمنين حين ينظروا في التاريخ و يعرفوان كيف صنع علماء السوء العجل و أضلوا الأمة وهي صفة يجب توافرها في كل مؤمن يكتشف هذه الحقيقة فإن لم تغضب في تلك الحالة لحق الله ثم حق أهل الأيمان فتيقن أنك لست على سبيل موسى و عيسى و محمد وابراهيم عليهم السلام
فموقف موسى كان حاسم مع تدمير العجل و نسفه نسفه و عزل السامري و اظهار حقيقته فكما انه نبذ جزء من أثر الرسل و اضل به الناس فكان جزائها ان يعزل جسديا و معنويا فيقول لا مساس وهي نقطة مهم في الهام لسلوك المؤمنين مع علماء السوء ومخالفة طريقة الإرهابيين الذين هم أصل علماء السوء واداتهم لم يقم موسى بقتل عالم السوء و فتنته في دينه بل فقط نسف باطله و قذفه في اليم وهي أهم نقطة مقابلة الحجة بالحجة و نسف الباطل من جزوره وإلقاه في يم الحق ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو ذاهق ولكم الويل مما تصفون ) و ما يبدي الباطل و ما يعيد ...وليس من سلوك المؤمن فتنة الناس في أديانها بالقتل و الاكراه فنحن لا حاجة لنا في ايمان عالم السوء يكفي ان الناس حين يعرفون جرميته سيهجروه هجران مبين ونحن أمرنا بهجران مساجد الضرار و مجالس علماء السوء لا هدمها كما داعي فلا تقم فيه أبدا فليست كما ادعى أن النبي هدمه ...و قول موسى لسامري اعلان الهجران لا مساس له دل على انه سينتبذ1 و يهجر ليس كما قيل يطبق فيه حد الردة أو يقتل غيلة كما هو سبيل مجرمي الارهاب الفكري
جدلية الإنكار الكاذب
﴿قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَمۡ يَعِدۡكُمۡ رَبُّكُمۡ وَعۡدًا حَسَنًاۚ أَفَطَالَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡعَهۡدُ أَمۡ أَرَدتُّمۡ أَن يَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُم مَّوۡعِدِي﴾ (طه: 86)
موسى يواجههم بثلاث تهم متدرجة:

نسيان الوعد الحسن: هل نسوا عظمة ما وُعِدوا به؟
استطالة العهد: أم أن غيابه جعلهم يملّون من الانتظار؟
قصد الغضب: أم أنهم تعمدوا استجلاب غضب الله؟

هذا التدرج يكشف مراحل الضلال: من النسيان إلى الملل إلى الكفر الواعي.
منطق الضحايا: التبرير بالإكراه
﴿قَالُواْ مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا مِّن زِينَةِ ٱلۡقَوۡمِ فَقَذَفۡنَٰهَا فَكَذَٰلِكَ أَلۡقَى ٱلسَّامِرِيُّ﴾ (طه: 87)
هذا أعجب تبرير في التاريخ! يقولون:

﴿مَآ أَخۡلَفۡنَا مَوۡعِدَكَ بِمَلۡكِنَا﴾: لم نخلف الوعد بإرادتنا
﴿حُمِّلۡنَآ أَوۡزَارٗا﴾: بل حُمِّلنا أوزاراً قسراً

تأمل كيف يحولون أنفسهم من فاعلين إلى مفعولين! من عُصاة إلى ضحايا! إن "زينة القوم" هنا رمز لكل ما يتذرع به الناس من ظروف وأسباب خارجية ليبرروا انحرافهم الداخلي. من لمعان التراب في أعينهم و اغترارهم به عن جوهر و حقيقة الوجود
العجل الذي يخور: رمزية الصنم الأجوف
﴿فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٞ فَقَالُواْ هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ﴾ (طه: 88)
إن وصف العجل بـ ﴿جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٞ﴾ معجز في دلالته:

جسد: مادة لامعة تراب لامع لا فائدة فيه بلا معنى ولا عائد ، شكل بلا مضمون
خوار: صوت أجوف، ضجيج بلا معنى

هذا وصف دقيق لكل صنم فكري: يبدو مهيباً من الخارج، لكنه أجوف من الداخل. والأعجب قولهم: ﴿هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ﴾ - فهم لم ينكروا موسى، بل زعموا أنهم يعبدون إله موسى! هذا أخطر أنواع الشرك: الشرك باسم التوحيد.
وقوله ﴿فَنَسِيَ﴾ قد أفردنا له فهما من ذات الآية السامري نسي الحق ونسى تحذير موسى لهم السابق من اتخاذ أصنام يعكفون عليها وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) و تلك الوصية سابقة على عبادة العجل و هي تهدم كل ما ادعوه لكنهم أصحاب أهواء انساهم الله المحكمات و اتبعوا المتشابهات

البرهان العقلي المهجور
﴿أَفَلَا يَرَوۡنَ أَلَّا يَرۡجِعُ إِلَيۡهِمۡ قَوۡلٗا وَلَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا﴾ (طه: 89)
هذا إعجاز في النقد العقلي! الله يحتج عليهم بأبسط البديهيات:

لا يرجع إليهم قولاً: وهي صفة لصنميات كل الضلاليات فهي لا تملك قولا للحق يرشدهم إنما أصداء أهوائهم هم فقط فأي صنم فكري معظم يدور فقط حول فلك أهواء منشئيه سيخلوا من أهم آلية تتسم بها الحق وهو أنها تبحث بتجرد عن الدلائل بالاستقراء و النظر و التعقل فتعدل مسارها إن أخطأت و تصدر أقوال الحق الهادية تستلهم القول الحق من قانون الله الحق المودعة في الكون و كلمته الحق المنزلة على الرسل ..أما أي صنم فكري فإنه يحرف كل شيء لخدمة أهواء صانعيه و لا يملك قولا مهديا ذاتيا لان الهدى صفة للحق
لا يملك ضراً: وهي حقيقة ايضا في كل صنم فكري فهو يتصور أن الكون يتحكم فيه قانون غير قانون الله فبالتالي لا يدرون أن ما ظنوه لا يملك فعليا أي قدرة على التحكم الكوني الحقيق لا ضر ولا نفع في جوهره فكل مذاهب هل الضلال و أصنامهم لم تستطيع أن ترفع أقومها و تحميهم من سنن الله الحقيقة في الكون من قوة و منعة ونصر .فلا تشفي مريض و لا تقوي اقتصاد و لا تهدي نفس ...فلا يمكن شفاء مريض واتقاء ضرر الأمراض بتبركات الاصنام الوثنية ولكن بالعمل بقانون الله المودع في كونه من علاجات مبنية على استقراء عقلي و كذلك دواء النفوس واهتدائها و تشريعات الله الاجتماعية و الاقتصادية و الجهادية و السياسية و الشخصية في كل جوانب الحياة القادرة فقط على حماية الناس من الضر و الجالبة للنفع
وهي حقيقة كونية فلا يمكن أن تسبح إلا ان تنساق مع قانون المتمثل في الطفو و تتناغم معه و تسعى للاتوافق مع القانون الحركي والكوني المودع في الطبيعة و تتعلم بعقلك كيف تتوافق معه و إلا فإن حقيقة العبودية هي اهتداء عقلي و توافق عملي لا ينفكان أبدا و إلا فإن الغوث بالأوياء أو ادعاء الايمان فقط بالله لن ينجي شخص من الغرق ولول ظل ألف سنة يستغيث بالأولياء أو حتى يدعي الإيمان الخالص لله
هذه هي الحقيقة الكبري التي يصرخ بها الأنبياء في رسالتهم و لكن الكفار بأذنهم صمم
إنه إيمان بمادية الكون و بالغيب الكامن ورائه في نفس الوقت
و بمقدرة الله وحده رب السموات الارض على الإضرار و النفع وحده
إنها ليست كما ادعي العلمانوين و التراثيون أن هناك تناقض بين المادية الصرفة و بين الروحانية العليا
بل هما حقيقة واحدة متصلة متكاملة لا يمكن انكار وجه منهما إلا بالكفر بالآخر أليس روح الله هي من حولت تراب أدم لبرنامج DNA برنامج في خلية
لا يملك نفعاً: و بالتأكيد كما أن هذه الأصنام الفلكية خاوية الفكر لا تملك ضرا فهي بالضرورة لا تملك نفعا ولا تستطيع أن تحدث تحسنا حقيقا في حياة الناس
و الحقيقة أن أي مألوه باطل تم تجسديه من دون الله فهو باطل و الباطل يعني أنها توهم غير حقيقي وغير موجود و ما انتفى وجوده فهو بالضرورة لا يتفاعل مع عابديه؟! إن الإله الحق يُكلم ويُكافئ ويُعاقب وهو قانون كوني في سنن الله الكونية و التارخية و الأحيائية ، أما الأوثان فصماء بكماء عمياء. ووهم صرف

مأساة الطائفة الهارونية
﴿وَلَقَدۡ قَالَ لَهُمۡ هَٰرُونُ مِن قَبۡلُ يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِي﴾ (طه: 90)
هذه آية تحطم القلب! هارون النبي الكريم يناشدهم بأرق الأساليب:

﴿إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِۦۖ﴾: يُشخص لهم المرض
﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ﴾: يُذكرهم بالرحمة الإلهية و اسم الله الرحمن من أعظم الاسماء فهو أول اسم بعد اسم الله الأعظم فبعد تعظيم الله بالسمو في فواتح السور و فاتحة القرآن نقول بسم الله الرحمن
والرحمن على وزن فعلان وهي ككلمة حنان ..بتشديد النون و هو الممتليء بأقصى درجات الرحمة و فيها حجة و احراج للمن ينكر حقه جل وعلا في العبودية فمن له صفات الرحمة الممتلأة الغامرة لكل شيء في الوجود هو المستحق وحده بالتأليه و المحبة و العبودية
ولماذ لم يقل لهم و إن إلهكم الرحمن و لكن قال وإن ربكم الرحمن ..وهذا من غزير رحمانيته أنه لم يترك عبيده لرب يتحكم فيهم سواه وهو عكس فكرة الربوبيين من منكري الرسالات الذين قالوا بل خلق الخلق و وتركهم لهوانهم وضئالتهم عنده ...بل على العكس رغم ضئلتنا و منتهى ضعفنا إلا أن الرب جل وعلا من أعظم نعمه علينا أنه لم يتركنا لأرباب متفرقون يذلوننا و يتحكمون فينا بجهل
﴿فَٱتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوٓاْ أَمۡرِي﴾: يدعوهم للعودة برفق

لكن ماذا كان الرد؟
العناد المقدس: الجماهير ضد الحق
﴿قَالُواْ لَن نَّبۡرَحَ عَلَيۡهِ عَٰكِفِينَ حَتَّىٰ يَرۡجِعَ إِلَيۡنَا مُوسَىٰ﴾ (طه: 91)
هذا أخطر رد في التاريخ! يقولون:
﴿لَن نَّبۡرَحَ﴾: لن نتزحزح أبداً وهو قول المتدينين من أهل الباطل أبد الدهر يظهرون الشدة و التزمت و الاستمساك بالباطل
﴿عَٰكِفِينَ﴾: متعبدين بإخلاص
﴿حَتَّىٰ يَرۡجِعَ إِلَيۡنَا مُوسَىٰ﴾: ننتظر موسى فقط و هذه من أعجب العجائب فوق عجيب العجاب ..تراهم ظنوا أنه إله موسى و ان تلك عقيدة الانبياء و توحيد الألوهية الحق في زعمهم بل ويظهرون أنهم متشددون في تبعيتهم للرسل و الرسل منهم و من دعوتهم براء بكل بديهية لكل ناظر من ذوي الألباب ولو من غير ملتهم وشرعتهم و نحلتهم لو جاء شاهد من خارجهم ينظر لأقوال وافعال رسلهم و رسالتهم يجدها أول ما تتبرأ من الاوثان و الأزلام و الطواغيت

هنا الفتنة الكبرى: يتخذون طاعة موسى ذريعة لمخالفة حقيقة الإيمان بالله! يقولون: "لن نسمع لأحد غير موسى" - وهذا شرك طاعة بين لأن الرسل إنما أمروا بطاعة الله ودعوا لإخلاص الدين له وحدانيته وفي حال غيبتهم يكذب عليهم الكاذبون فلو أطعوهم في مخالفة حق الإيمان . فإنهم يعبدون موسى من حيث لا يشعرون، ويجعلون اتباعه غاية في ذاته لا وسيلة للوصول للحق.
لذلك الله جل وعلا قال لعيسى عليه السلام يوم القيامة .. وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ()مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَآ أَمَرۡتَنِي بِهِۦٓ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۚ وَكُنتُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ () إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ (*)قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ
فما أعظمها من أيات فإن الرسل في حضرة أقوامهم لا يمكن أن يدعوا هذه الدعوة و لذلك لم غابوا بالموت أو الارتحال كما حدث في موسى حصلت الفتنة من الادعاء و الكذب عليهم و هذا يؤكد أن الأنبياء والرسل يكذب عليهم
و الحقيقة أن من فضل الله تعالى أنه عصم أنبيائه ورسله من الفتنة في أصل الإيمان و الرسالة .. مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ
إن تلك الآية ككل آيات الكتاب بها نور مبهر و بيان عظيم إنهم لم يكتفوا فقط بدعوة الناس للعبودية لله وحده و افراده بالانقياد و الطاعة و الاستسلام التام و الخضوع الكامل لكنهم يؤكدون عليهم أن يكونوا ربانيين والانسان لا ينسب لشيء إلا لو كان صفته مستغرقة فيه فهو ليس مجرد فعل عابر بل صار صفة لازمة حتى صار وصفا لذات الموصوف فهم ربانيون يعني اتباعهم للرب وحده و طاعتهم للرب وحده فهم من يربيهم و يوجههم و كلمة بما كنتم تعلمون الكتاب تدل أن العلم الحقيقي في الكتاب الذي يأخذه بحق هو مؤدي لتلك الحقائق لا محالة التي تنقض بالكلية كل ادعاءات علماء السوء و تلك الأرباب الجاهلة و الآلة الباطلة و الطواغيت الفاسدة . و العلم في الكتاب وحده لا في سنة و آثار منتحلة و أقوال مأثورة بشرية مدعاه ..و بما كنتم تدرسون العلم من الكتاب و الدراسة لا تكون إلا في علم الكتاب لمن أراد الهدى

المواجهة الأخوية: غضب الحق
﴿قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذۡ رَأَيۡتَهُمۡ ضَلُّوٓاْ﴾ (طه: 92)
﴿أَلَّا تَتَّبِعَنِۖ أَفَعَصَيۡتَ أَمۡرِي﴾ (طه: 93)
موسى يواجه أخاه بسؤالين مؤلمين:

ما منعك: ما الذي شل حركتك؟
أفعصيت أمري: أم أنك تعمدت العصيان؟

هذا مشهد مؤثر: النبي يحاسب النبي، والحق لا يجامل أحداً.
اعتذار الحكيم:
﴿قَالَ يَبۡنَؤُمَّ لَا تَأۡخُذۡ بِلِحۡيَتِي وَلَا بِرَأۡسِيٓۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقۡتَ بَيۡنَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَلَمۡ تَرۡقُبۡ قَوۡلِي﴾ (طه: 94)
وَٱتَّخَذَ قَوۡمُ مُوسَىٰ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِنۡ حُلِيِّهِمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٌۚ أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًاۘ ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَٰلِمِينَ ﲓ وَلَمَّا سُقِطَ فِيٓ أَيۡدِيهِمۡ وَرَأَوۡاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمۡ يَرۡحَمۡنَا رَبُّنَا وَيَغۡفِرۡ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ (*)وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِي مِنۢ بَعۡدِيٓۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُۥٓ إِلَيۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي فَلَا تُشۡمِتۡ بِيَ ٱلۡأَعۡدَآءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِي مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ﲕ قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِأَخِي وَأَدۡخِلۡنَا فِي رَحۡمَتِكَۖ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﲖ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلۡعِجۡلَ سَيَنَالُهُمۡ غَضَبٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَذِلَّةٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُفۡتَرِينَ ﲗ وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِهَا وَءَامَنُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ ﲘ وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلۡغَضَبُ أَخَذَ ٱلۡأَلۡوَاحَۖ وَفِي نُسۡخَتِهَا هُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلَّذِينَ هُمۡ لِرَبِّهِمۡ يَرۡهَبُونَ ﲙ وَٱخۡتَارَ مُوسَىٰ قَوۡمَهُۥ سَبۡعِينَ رَجُلٗا لِّمِيقَٰتِنَاۖ فَلَمَّآ أَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ قَالَ رَبِّ لَوۡ شِئۡتَ أَهۡلَكۡتَهُم مِّن قَبۡلُ وَإِيَّٰيَۖ أَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآۖ إِنۡ هِيَ إِلَّا فِتۡنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهۡدِي مَن تَشَآءُۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۖ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡغَٰفِرِينَ ﲚ
هذا اعتذار عميق من هارون. إنه يكشف معضلة قابلته لم يستطع أن يقدم فيها فقد استضعفه القوم وكادوا يقتلوه و خشي أن يقوم بالإقدام على المفاصلة و المفاصلة فيقع القتال ولم يستشر موسى
وكلمة فلا تشمت بي الأعداء و لا تجعلني مع القوم الظامين هي منهج فلا ينبغي أن نهاجم الطائفة الهارونية الساكتة أو التي لم أكرهت بعد التهديد بالقتل
و واجبنا أن نقول قول موسى عليه السلام قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِأَخِي وَأَدۡخِلۡنَا فِي رَحۡمَتِكَۖ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ

استجواب السامري: كشف آلية الإضلال
﴿قَالَ فَمَا خَطۡبُكَ يَٰسَٰمِرِيُّ﴾ (طه: 95)
سؤال موسى مباشر وحاسم. والجواب يكشف عن عقلية المضل:
﴿قَالَ بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذۡتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِي نَفۡسِي﴾ (طه: 96)
هذا اعتراف خطير يكشف آلية الإضلال:
أولاً: البصيرة الشيطانية
﴿بَصُرۡتُ بِمَا لَمۡ يَبۡصُرُواْ بِهِۦ﴾ - السامري يدّعي بصيرة خاصة! هذا منطق كل مضل: يزعم أنه يرى ما لا يراه الآخرون. إن علماء السوء يتخصصون في رؤية مواطن الضعف في الناس، ونقاط الالتباس في النصوص، وأماكن الفتنة في الأحداث.
ثانياً: اختطاف الأثر النبوي
﴿فَقَبَضۡتُ قَبۡضَةٗ مِّنۡ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ﴾ - هنا المفتاح! السامري لم يخترع شيئاً من عدم، بل اختطف "قبضة" من تعاليم الرسول الصحيحة. ربما عن نعمة الأنعام وأهمية شكر الله عليها، فأخذ السامري هذا التعليم وحرفه من "شكر النعمة" إلى "عبادة رمز النعمة".
إن "أثر الرسول" ليس تراباً من تحت حافر فرس جبريل كما تزعم الإسرائيليات، بل هو التراث الرسالي الذي قد يقتطع منه عالم السوء قبضة ويخرجها من سياقها و غلوا فيها و ينبذها عن المنهج الرسالة و يطلق فتنته يعد تحريف الكلم عن بعض مواضعة
ثالثاً: تسويل النفس
﴿وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتۡ لِي نَفۡسِي﴾ - هذا اعتراف بالجريمة! السامري يعترف أن نفسه "سولت" له - أي زينت له الباطل وجعلته يبدو حسناً. إن كل مضل يمر بمرحلة التسويل قبل الإضلال، حيث يقنع نفسه أن له مبرر لفعله
الجزاء العادل: العزلة والإحراق
﴿قَالَ فَٱذۡهَبۡ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَۖ وَإِنَّ لَكَ مَوۡعِدٗا لَّن تُخۡلَفَهُۥۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ إِلَٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلۡتَ عَلَيۡهِ عَاكِفٗاۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُۥ فِي ٱلۡيَمِّ نَسۡفًا﴾ (طه: 97)
عقوبة السامري ثلاثية:

العزلة الاجتماعية: ﴿لَا مِسَاسَ﴾ - لا يمس أحداً ولا يمسه أحد
الوعد الأخروي: ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوۡعِدٗا لَّن تُخۡلَفَهُۥۖ﴾ - عذاب الآخرة
تدمير الصنم: ﴿لَّنُحَرِّقَنَّهُۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُۥ فِي ٱلۡيَمِّ نَسۡفًا﴾

إن إحراق العجل ونسفه في اليم رمز عميق لضرورة تدمير كل صنم فكري تدميراً كاملاً، بحيث لا يبقى له أثر.
الخلاصة التوحيدية
﴿إِنَّمَآ إِلَٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَسِعَ كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمٗا﴾ (طه: 98)
هذه الآية الختامية تعيد الأمور إلى نصابها. بعد كل هذه الفتنة، يأتي التوحيد النقي: ﴿لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ﴾ - لا معبود بحق إلا الله.
و﴿وَسِعَ كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمٗا﴾ رد على من يزعم أن الله غائب أو لا يعلم. إن الله يعلم كل شيء، وهو محيط بكل شيء، فلا حاجة لتجسيده في عجل أو صنم.

العبرة المعاصرة
إن قصة السامري تتكرر في كل عصر بأشكال مختلفة. السامريون الجدد يأخذون "قبضة من أثر الرسول" - أي بعض النصوص الصحيحة - ثم يحرفونها عن مواضعها ويصنعون منها أصناماً فكرية يدعون الناس لعبادتها.
إن الحل ليس في تصحيح كل رواية، بل في العودة إلى الأصل المحكم: ﴿إِنَّمَآ إِلَٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَسِعَ كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمٗا﴾.
والله أعلم.
الناسخ و المنسوخ و تحريف الكلم عن مواضعه

قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَا۠ لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٞ ﰰ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ﰱ وَٱلَّذِينَ سَعَوۡاْ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ﰲ وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ ثُمَّ يُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ﰳ لِّيَجۡعَلَ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَفِي شِقَاقِۭ بَعِيدٖ ﰴ وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤۡمِنُواْ بِهِۦ فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ﰵ وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً أَوۡ يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَقِيمٍ

كلمة ينسخ هنا و في كل مكان في القرأن و من أول ما خلق الله وبرأ جذر الكلمة ن س خ
معناه يثبت و لازلنا نقول أنسخ لي الكتاب يعني اثبت لي نقش أخر و ترجمة كلمة نسخ في كل تراجم اللغات مترادفات COPY = نسخ
حتى ان الله تعالى قال و ألقى الألواح وفي نسختها هدى لبني اسرائيل
ومن الاهتداء لمعرفة أصل كل كلمة هو ردها لمترادفتها في القرأن لا تردها لما يسمى الشعر الجاهلي ولا لترجمانات القرآن و لا للأحبار و لا للرهبان ..أستخدمها في مشاهد القرأن الأخرى و في لغتك الدارجة هم الحجة
ثم ستسألني لماذا لا نردها للشعر الجاهلي ..لقد اكتشف الأديب المخضرم عميد الأدب العربي ببصيرته العميقة و جسه الأدبي الربيع أن هناك شيء غريب في بنوية ورمفولجية ما سمي بالشعر الجاهلي و هي أنه نفس من كتبه شخص واحد رغم أنها ادعيت معلقات سبعة لاشخاص مختلفون
ووجد فيها أوصاف لمشاهد و أحكام لم تنشأ إلا بعد الاسلام ...فتيقن أن هذ النص تم تدشينه في عصر التدوين اللاحق و كان هتفه حرف القوالب اللغوية للكلمات من جذور معانيها
وانا لن أتوسع في ذكر هذا و لقد جعل طه حسين رحمه الله هذه المعركة كبرى معاركه الأدبية و ملاحمه العلمية واحسن فيها واجاد وله سلسلة كتب فيها منها ( في الشعر الجاهلي ) و لاقي انتقادات جمة و سيل من الاتهامات ولاتزال من أكثر كتبه قوة وانتشارا
المهم انه اكتشف انه تم صنع و ائتفاك اكبر مؤامرة في التاريخ على اللغة نفسها لقد وجد علماء السوء و ادباء البلاط أن القرآن نوره أبلج ومهما حاولوا إلغاء أحكامه بنصوص بشرية منسوبة لأثر الرسول فشلوا فقالوا ما رأيكم ونحن لا نستطيع تحريف القرأن نفسه أو حذف أياته بعد انتشارها أن نحرف الذكر في العقول والفهم في الألباب عن طريق تحريف معاني اللغة نفسها فأتفكوا ما سمي بالشعر الجاهلي و المعالقات المليئة بالتنطعات و التقعرات و التشدقات و زخرف اللقول غرورا و اللحن و الحيدة و الغواية
و لا يمكن في أي لغة من اللغات أن يكون للكملة نفس المعنى و ضدها وهو النسخ فلا يمكن أن يكون النسخ معناه الإثبات و معناه الإلغاء في نفس الوقت ولا أعرف كيف خال على الملقدين تلك الفرية
المهم أن الآية تؤكد أن النبي سيتم نسخ و اثبات أثره و بعض المشتبهات من كلامه صلى الله عليه وسلم و التي ستستخدم لإضلال الناس لاحقا و هذه الأية وحدها زلازال و مخاطبة واضحة للمؤمنين ان ما قيل لهم انه اثر للنبي وفيه كل تلك الفرى إن حتى لو بعضه صحيح و تم إصلاحه بالقرأن فإن اثباته في الأثر يهدف لإضلال أهل الضلال
قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَا۠ لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٞ ﰰ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ﰱ وَٱلَّذِينَ سَعَوۡاْ فِيٓ ءَايَٰتِنَا مُعَٰجِزِينَ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ﰲ وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٖ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ أَلۡقَى ٱلشَّيۡطَٰنُ فِيٓ أُمۡنِيَّتِهِۦ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ ثُمَّ يُحۡكِمُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ﰳ لِّيَجۡعَلَ مَا يُلۡقِي ٱلشَّيۡطَٰنُ فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَفِي شِقَاقِۭ بَعِيدٖ ﰴ وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤۡمِنُواْ بِهِۦ فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ﰵ وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُ حَتَّىٰ تَأۡتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةً أَوۡ يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابُ يَوۡمٍ عَقِيمٍ
و لا يوجد في القرأن ما يسمى بنسخ و منسوخ فآيات الخمر ليس فيها ما يينسخ إنها أيات متعاضدة تبين حكمة التحريم فأين تعارض الأحكام حتى نقول أن هناك أية تنسخ أخرى
وحتى أية ولا تقربوا الصلاة وانتم سكراى حتى تعلموا ما تقولون
فهي حكم ساري للأبد لو أن أحد وقع في خطيئة الخمر وما أكثر ما يحدث لأناس مسلمين يزلون فيحرم عليهم الدخول في الصلاة وهم مغيبي الوعي
و إن هذه الأية لهي حجة على المقلدين ..إن كانت الصلاة لا تصح إلا بكمال الوعي والعقل لنعلم ما نقول ما بالكم كثير منا سكارى حيارى للأبد لا نريد أن نعلم أي شيء عن معاني القرأن لا في الصلاة و لا خارجها و لا نتعبد بها ونقول الذين لهم حق العلم و التأويل علمءنا فقط ونحن لهم تلاميذ مطيعون مقلدون
إن قول الله تاعلى ما ننسخ من أية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير
إنك إن نظرت في أي أية يثبتها الله من تحريم الميتة مثلا ستجد أية تثبت و أية تثبت و تزيد و تفصل ...والله يثبت و هناك أيات ينسها و يأت بخير منها لكن ما نسخ هنا ما أثبت ليس معنها لغى

سجل المراجعات