إلى كل باحثٍ عن الحق، وكل غيورٍ على هذه الأمة...
إلى كل قلبٍ اعتصره الألم وهو يرى حالنا، ويشعر بحسرةٍ عميقة على أمةٍ لم تستطع أن تنهض بعد، بينما الأمم من حولنا تقوم...
أكتب إليك لا كخصمٍ أو مُنظّر، بل كأخٍ لك في الإنسانية والإيمان، مرّ بكثيرٍ مما تمر به، ويحمل في صدره ذات الجرح الذي تحمله. قبل أن أدعوك لتسمعني، اسمح لي أن أقول لك إنني أسمعك. إنني أرى العالم من خلال عيونٍ كثيرة، وأشعر بآلامٍ متفرقة توحدها مظلمة واحدة:
أرى العالم بعيون الشيعي الذي لم يزل جرح دم آل البيت في قلبه، ذلك الدم الطاهر الذي أُريق ظلماً ولم يُقتص له لليوم و سيقتص الله لهم يوم نعود لدينه الحق و يباد أثر ظالميهم ..و لكن ( هل الإمامة حق وراثي أم ان أمر المؤمنين شورى بينهم و إن أكرمك عند الله اتقاكم )
وأراه بقلب الإباضي الذي يرى في النهروان مذبحةً- لا معركة -لأهل العدل والقرآن، .
وأراه بعقل السلفي المتشوق بصدق لعودة أمجاد أمةٍ سلفت لم نرَ النور منذ أن ودعتنا.(ولكن لنحقق من هم السلف)
وأراه من وجهة نظر الإخواني الذي سلك كل السبل السياسية المتاحة لإعادة مجد الإسلام عبر آليات العصر(ولكن لنحقق هل سبيل رجوع الأمة لمجدها سبيل الانبياء الإصلاحي المترفع عن خلط المصالح السياسية مع الدعوة الدينية -قل ما أسألكم عليه من أجر-).
وأراه من منظور الجهادي الذي رأى أن العزة لن تعود إلا بإقامة فريضة الجهاد( ولكن لنحقق هل الجهاد سبي واستعباد و فتنة الناس في اعتقادتها ..وما هو الحكم الذي نقاتل عليه أصلا هل هو حكم القرآن وهل القتال قام لإكراه الناس على الدين أم لأجل لا إكراه في الدين .!).
وأراه ببصيرة القرآني الذي اكتشف أن أصل الداء ليس فقط في شرك الحاكمية أوشرك الدعاء و الرجاء، بل ان ذات الأحكام التي ندعوا لإخلاص الحكم لها محرفة و أصل الشرك أعمق وهو كائن في منازعة الله في أصل التشريع.
بل وأشعر بحيرة الباحث الصادق، الذي صبأ عن كل هذه المذاهب بعد أن لم يجد فيها ضالته من رحمةٍ عظمى وحكمةٍ كبرى، فوقف تائهاً، لا يدري أين الحق، ولسان حاله يقول: "إني بريء من الجميع".
لأنني أرى هذا الألم المشترك وهذه النوايا الصادقة المتفرقة، أكتب هذا الكتاب ليس كدعوةٍ لفرقةٍ جديدة، بل كمحاولة مخلصة للعودة إلى الأصل الذي نجتمع عليه جميعاً، والذي أمرنا الله به فقال: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾. وما حبل الله إلا وحيه المحفوظ ورباطه المتين، الذي من تمسك به نجا، ومن تركه تفرّق في أودية الضلال.
لستُ في هذا العمل بأعلمكم ولا بأفضلكم ولا أزكاكم، وإنما هي محاولة باحث أدلى بدلوه في بئر الحقيقة العميقة، راجياً أن يجد فيه ما يروي ظمأ السالكين الصادقين؛ أولئك الذين أحبهم وأتولاهم، وأرجو أن يؤلف الله بين قلوبنا كما وعد: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾.
لهذا، أدعوك أن تقرأ هذا البحث بعين البصيرة الناقدة، وأن تغفر لي سلفاً ما قد تجد فيه من حدةٍ في العبارة أو حرارةٍ في النقد. فوالله ما هي إلا غيرة قلبٍ يحترق وهو يرى أمته تُستباح، وشبابه يُباد، وضعفاءه يُنتهكون، ونحن ما زلنا غارقين في جدل الماضي. إنها حرارة الألم، لا كبرياء التعالم. فاعذروا زلتي، واصفحوا عن شدتي، ولا تجعلوا أسلوبي حجاباً يصدكم عن الحق الذي قد يكون بين ثنايا الكلمات.
أؤكد لك يا أخي أني لا أحكم على فرقةٍ بعينها، ولا على أعيان العلماء والأئمة، فالحكم لله وحده، وكل نفس بما كسبت رهينة. ولكني أنكر المنهج الذي أورثنا هذا الشتات. وأخيراً، أُقرّ بضعفي البشري، فما كان في هذا الكتاب من توفيقٍ وحق، فهو من الله وحده، فضلاً منه ورحمة ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾. وما كان فيه من خطأٍ أو زلل، فهو من نفسي ومن الشيطان. فخذ ما صفا، ودع ما كدر، وأعنّي بنصحك، وادعُ لي بظهر الغيب. صنعت تعديلات طفيفة ما رأيك