عودة المسلمين لميقات رب العالمين

الفصل الرابع الرجس من الأوثان : كشف البدع والمناسك الشيطانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الفصل الرابع

"الرجس من الأوثان": كشف البدع والمناسك الشيطانية

إن منهج الشيطان في إضلال الأمم لا يتمثل دائمًا في دعوتهم إلى الكفر الصريح، بل في تزيين الباطل لهم، وإلباسه لباس الحق. إنه لا يأمرهم بترك العبادة، بل يبتدع لهم عبادات موازية، وطقوسًا فارغة، ومناسك شيطانية تصرفهم عن عبادة الله الحقة، وتجعلهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا. لكل شعيرة رحمانية، يخلق الشيطان شعيرة شيطانية مضادة. ولكل منسك إلهي، يؤسس لمنسك وثني يفرغه من محتواه.

لقد رأينا في الفصول السابقة عظمة المناسك والشعائر كما أنزلها الله في كتابه: حيّة، نافعة، جامعة، تفيض بالرحمة والحكمة. أما في هذا الفصل، فسنقوم بعملية "تطهير" ضرورية. سنكشف، بنور القرآن، عن تلك المناسك المبتدعة والشعائر الشيطانية التي أُقحمت في دين الله، والتي أصبحت اليوم، وللأسف، هي صلب الحج عند أكثر الناس، بينما غابت المناسك الحقيقية أو كادت. إنه فصل جريء، لا لشيء إلا لأننا سنطبق فيه أمر الله القاطع:

﴿...فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ (الحج: 30)



"الوثن التشريعي": الخطر الحقيقي الذي يصرف عن دين الله

قبل أن نكشف عن المناسك المبتدعة، يجب أن نكشف عن المصنع الذي أنتجها، والجذر الذي تفرعت منه. إن أخطر وثن يُعبد من دون الله في تاريخ البشرية ليس صنمًا من حجر أو خشب، بل هو "الوثن التشريعي".

لقد فهمنا من سياق القرآن أن "الوثن" مشتق من "ثنى"، أي "صرف وعطف". فالوثن هو كل مرجعية تُتخذ ندًا لله، فتصرف الناس عن دينه الخالص وشريعته المحكمة. هذا الوثن ليس له جسد مادي، بل يتجسد في منظومة كاملة من الكتب والأقوال والرجال والمذاهب التي نُصِّبت مصدرًا للتشريع بجانب الله. إن "الفقه الحبري" الذي يعطي لنفسه حق التحليل والتحريم، ويضيف شروطًا وعبادات لم ينزل بها الله من سلطان، هو التجسيد العملي لهذا "الوثن التشريعي".

و"قول الزور" الذي أمرنا الله باجتنابه هو دستور هذا الوثن. إنه كل فتوى، وكل حكم، وكل رواية تضاف إلى دين الله وتُنسب إليه كذبًا وزورًا. من رحم هذا الوثن، ومن حبر هذا الزور، وُلدت كل البدع والمناسك الشيطانية التي حولت الحج من منسك إبراهيمي توحيدي، إلى كرنفال من الطقوس الوثنية.



رجم الجمرات والمبيت بمنى: طقوس وثنية ما أنزل الله بها من سلطان

والآن، لننظر إلى أبرز منتجات هذا "الوثن التشريعي"، تلك الطقوس التي أصبحت هي العلامة الفارقة للحج عند الناس، مع أنها لا تملك أي أصل في كتاب الله.

  • رجم الجمرات: أين هي في كتاب الله؟ أين أمر الله عباده أن يذهبوا إلى مكان ليرموا فيه الحصى؟ لا وجود لها إطلاقًا. إنها طقس وثني بامتياز، لا يختلف عن أي طقس بدائي قائم على تمثيل الصراع مع الأرواح الشريرة. لقد ألبسوه قصة "رجم إبليس"، وهي قصة لا دليل عليها من القرآن، ليبرروا هذا النسك الذي ما أنزل الله به من سلطان. والنتيجة؟ مئات الآلاف من ضيوف الرحمن قُتلوا دهسًا وتدافعًا عبر التاريخ، ليس في سبيل الله، بل في سبيل تطبيق شعيرة وثنية. إن أي شعيرة تؤدي إلى قتل الناس وهلاكهم لا يمكن أن تكون من عند الرحمن الرحيم، بل هي من وحي الشيطان ليصد عن سبيل الله.
  • المبيت بمنى: وأين هو في كتاب الله؟ أين أمر الله الحجيج بأن يبنوا مدينة من الخيام ليناموا فيها ليالي محددة؟ لا وجود له أيضًا. إنها بدعة أخرى كلفت الأمة مليارات الدولارات في بنية تحتية لمباني وخيام لا تُستخدم إلا أيامًا معدودة في السنة، وكلفتها آلاف الأرواح التي ماتت حرقًا واختناقًا في حرائق الخيام الشهيرة. كل هذا من أجل ماذا؟ من أجل تطبيق "قول زور" ورواية ظنية، بينما تُهمل الأوامر القرآنية الصريحة كإطعام البائس الفقير.



من "الأضحية" إلى "الديك": كيف تم تفريغ القربان من محتواه خدمةً للتجارة

لقد رأينا كيف أن التحريف يبدأ بتغيير المصطلحات. فبعد أن تم قتل شعيرة "البُدْن" العظيمة ودمجها مع "الهدي"، جاءت الخطوة التالية لتفريغ القربان من محتواه بشكل كامل.

  1. بدعة "الأضحية المعممة": تم اختراع حكم موازٍ، وهو وجوب "الأضحية" على كل المسلمين في كل مكان. وبهذا، تحولت الشعيرة من حدث مركزي عظيم في الحج يهدف لإطعام الملايين في مكان واحد، إلى حدث تجاري عالمي متفرق، يخدم مصالح تجار الماشية في كل بلد، ويشتت المقصد والغاية.
  2. تدهور النوعية: حين أصبح الهدف هو مجرد "إسقاط الواجب" التجاري، لم تعد النوعية مهمة. فبدلًا من "البُدْن" الضخمة التي تليق بوليمة الرحمن، تم الترويج للأغنام والماعز الصغيرة.
  3. الوصول إلى العبث: ثم وصل الانحدار إلى ذروته الساخرة في تلك الرواية التي يستدل بها البعض في مصر: "ضحِّ ولو بديك". فانظر كيف تم تفريغ أعظم شعيرة للشكر والإطعام، حتى صارت بحجم "ديك" لا يكاد يطعم رجلًا واحدًا!

إنها العملية الممنهجة نفسها: قتل الشعيرة القرآنية الأصلية، واختراع شعيرة بديلة تخدم المصالح التجارية والسياسية، ثم تفريغ هذه الشعيرة المبتدعة نفسها من أي مضمون حقيقي، حتى لا يتبقى منها إلا الرسم والاسم، ومعاملة مالية جافة.

الخاتمة.. ودعوة للبراءة

إن العودة إلى الله تقتضي فعلًا إبراهيميًا شجاعًا: البراءة من هذه الأوثان. البراءة من "الوثن التشريعي" الذي نصب نفسه ندًا لله، والبراءة من المناسك الشيطانية التي أملتها الشياطين وزينها الأحبار. إنها دعوة للعودة من رجس الأوثان وقول الزور، إلى طهارة القرآن وصدق الوحي.

سجل المراجعات