غزة بين حقيقة السيطرة ووهم المقاومة: تحليل استراتيجي في ضوء السنن الإلهية والتاريخ -جيمي
بسم الله الرحمن الرحيم
غزة بين حقيقة السيطرة ووهم المقاومة: تحليل استراتيجي في ضوء السنن الإلهية والتاريخ
مقدمة: إعادة صياغة السردية - ما وراء الصورة الإعلامية
يهدف هذا التقرير إلى تقديم تحليل معمق وجذري للوضع في قطاع غزة، متجاوزاً بذلك السرديات الإعلامية السائدة التي غالباً ما تبسّط الصراع وتصوره كحرب متكافئة بين طرفين متنازعين. إن الفهم الحقيقي للمأساة الإنسانية والسياسية في غزة يتطلب تفكيك هذه الروايات المضللة والعودة إلى الحقائق التاريخية والاستراتيجية التي شكّلت هذا الواقع المعقد. تعتمد وسائل الإعلام الغربية الكبرى، مثل BBC وCNN، غالباً على تأطير الصراع ضمن لغة "الحياد" الظاهري، مستخدمة مصطلحات مثل "اشتباكات" و"صراع"، مما يطمس حقيقة الاحتلال واختلال القوة الهائل بين الطرفين.¹ هذا التضليل المنهجي، الذي وصفته صحيفة "نيويورك تايمز" بأنه "طوفان من الدعاية والمعلومات المضللة"⁵، يمنع تكوين فهم دقيق لطبيعة الهيمنة الإسرائيلية الكاملة المستمرة منذ عقود.
تكمن الإشكالية المركزية التي يعالجها هذا التقرير في كيفية فهم الواقع المأساوي في غزة ليس فقط كصراع سياسي، بل كنموذج تاريخي متكرر لعواقب القرارات الاستراتيجية الخاطئة التي تتخذ في مراحل الاستضعاف. سيعتمد هذا التحليل على منهجية مركبة تجمع بين التاريخ، والعلوم السياسية، والدراسات الاستراتيجية، مع تأصيلها في إطار ما يمكن تسميته بـ "سنن الاجتماع الإلهية" كما وردت في القرآن الكريم. سيتم تفكيك مفهوم "السيادة" و"المقاومة" في سياق الاحتلال الممتد، وإعادة تقييمهما في ضوء النصوص الدينية والدروس التاريخية. إن الهدف ليس مجرد نقد الواقع، بل تقديم إطار منهجي لفهم جذور المأساة واستشراف مسار مختلف للخروج من حلقة الدمار المفرغة، وهو مسار يستلهم الحكمة من التاريخ والنصوص المقدسة بدلاً من الانجرار وراء الشعارات العاطفية التي أثبتت فشلها مراراً وتكراراً.
الفصل الأول: جذور الهيمنة: السيطرة الإسرائيلية الكاملة منذ عام 1967
إن أي تحليل موضوعي للوضع الراهن في قطاع غزة يجب أن يبدأ من نقطة التأسيس التي شكّلت هذا الواقع، وهي حرب عام 1967. فهذه الحرب لم تكن مجرد مواجهة عسكرية انتهت بوقف إطلاق النار، بل كانت حدثاً مؤسساً فرض هيمنة إسرائيلية كاملة ومستمرة على الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك قطاع غزة، وهي هيمنة لم تتغير في جوهرها حتى يومنا هذا، على الرغم من تغير أشكالها وأدواتها.
1.1. من النكسة إلى الحكم العسكري المباشر (1967-1993)
كانت حرب الأيام الستة في يونيو 1967 نقطة تحول استراتيجية، حيث انتهت بهزيمة حاسمة للجيوش العربية وأدت إلى احتلال إسرائيل لقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء والضفة الغربية وهضبة الجولان.⁶ فور انتهاء العمليات العسكرية، فرض جيش الاحتلال الإسرائيلي سيطرته الكاملة على قطاع غزة، وأسس "الإدارة العسكرية الإسرائيلية" التي تحكمت في كل تفاصيل حياة الفلسطينيين.⁹ هذا النموذج من الحكم كان امتداداً وتطبيقاً لسياسة الحكم العسكري التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم بعد عام 1948.¹⁰
لم تكن السيطرة مجرد إجراء أمني مؤقت، بل كانت جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي. تكشف محاضر جلسات مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي في ديسمبر 1967 عن نوايا مبكرة لترحيل السكان الفلسطينيين، حيث اقترح رئيس الوزراء آنذاك، ليفي أشكول، إجراءات مثل تقليص وصول سكان غزة للمياه كوسيلة لدفعهم إلى المغادرة.⁹ وقد أدت هذه السياسات إلى تهجير نحو 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة.⁶
1.2. وهم الانسحاب: إعادة تعريف السيطرة بعد 2005
يُقدَّم الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من قطاع غزة عام 2005 على أنه إنهاء للاحتلال. لكن التحليل الاستراتيجي يكشف أن هذا الانسحاب كان إعادة تموضع ذكية تهدف إلى تقليل تكاليف الاحتلال مع الحفاظ على كامل الهيمنة. لقد تخلت إسرائيل عن إدارة السكان بشكل مباشر، لكنها احتفظت بالسيطرة المطلقة على كل مقومات الحياة في القطاع، من خلال:
السيطرة على المعابر: تتحكم إسرائيل بشكل شبه كامل في 7 من أصل 8 معابر حدودية لقطاع غزة، مما يسمح لها بفرض حصار خانق متى شاءت.¹⁴
السيطرة على الأجواء والمياه: تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الكاملة على المجال الجوي لقطاع غزة ومياهه الإقليمية، مما يجعل أي حديث عن سيادة فلسطينية مجرد وهم.¹⁹
لقد حولت إسرائيل غزة إلى كيان معزول ومسيطر عليه بالكامل، وحمّلت جهة فلسطينية (حركة حماس) مسؤولية الإدارة اليومية للسكان. هذا التكتيك سمح لإسرائيل بإعادة تأطير أي عملية عسكرية مستقبلية ليس كعمل قمع يمارسه محتل ضد شعب محتل، بل كـ "حرب" ضد "كيان معادٍ".
الجدول 1: التسلسل الزمني للسيطرة الإسرائيلية والإدارة الفلسطينية في غزة (1967-الحاضر)
الفترة الزمنية
الجهة المسيطرة عسكرياً
الجهة الإدارية الفلسطينية
طبيعة السيطرة الإسرائيلية
1967 - 1994
إسرائيل
لا يوجد (إدارة مدنية إسرائيلية)
حكم عسكري مباشر، سيطرة كاملة على الأرض والسكان، بدء الاستيطان.
1994 - 2005
إسرائيل
السلطة الفلسطينية (إدارة مدنية وأمنية محدودة)
سيطرة أمنية شاملة، تحكم في المعابر والحدود، توسع استيطاني.
2005 - 2007
إسرائيل
السلطة الفلسطينية (إدارة اسمية بعد الانسحاب)
سيطرة خارجية كاملة (معابر، أجواء، مياه)، حصار، عزل القطاع.
2007 - الحاضر
إسرائيل
حركة حماس (سلطة أمر واقع)
سيطرة خارجية كاملة، حصار مشدد، حروب متكررة، تحكم كامل في مقومات الحياة.
الفصل الثاني: وكلاء الإدارة تحت الاحتلال: نشأة السلطة الفلسطينية وحماس
في ظل واقع الهيمنة الإسرائيلية المطلقة، لم تكن الكيانات السياسية الفلسطينية التي نشأت هيئات ذات سيادة حقيقية، بل هيئات إدارية تعمل ضمن حدود ومحددات يفرضها الاحتلال، وتقوم بمهام إدارة السكان اليومية بينما تظل القرارات الاستراتيجية الكبرى في يد القوة المحتلة.
2.1. سلطة أوسلو (1993): إدارة ذاتية أم إدارة للاحتلال؟
لم تكن اتفاقيات أوسلو اتفاقية سلام تهدف إلى إنهاء الاحتلال، بل "إعلان مبادئ" لإنشاء "سلطة حكم ذاتي انتقالي".²⁰ كرست هذه الاتفاقيات السيادة الإسرائيلية العليا من خلال تقسيم الأراضي إلى مناطق (أ، ب، ج)، حيث احتفظت إسرائيل بالسيطرة الكاملة على المنطقة "ج" (أكثر من 60% من الضفة الغربية).²³ أُنشئت السلطة الفلسطينية لتؤدي دوراً وظيفياً محدداً: إدارة الشؤون المدنية والأمن الداخلي للفلسطينيين نيابة عن الاحتلال، ويتجلى ذلك بوضوح في "التنسيق الأمني".²¹
2.2. صعود حماس (1987-2007): من المعارضة إلى سلطة الأمر الواقع
نشأت حركة حماس عام 1987 كانبثاق عن جماعة الإخوان المسلمين.²⁷ بعد فوزها في انتخابات 2006 ³⁰، قوبلت برفض دولي وحصار اقتصادي، مما أدى إلى صراع دموي مع حركة فتح انتهى بسيطرة حماس الكاملة على قطاع غزة في يونيو 2007.³¹ ومنذ ذلك الحين، تحولت حماس من حركة مقاومة إلى سلطة أمر واقع، مسؤولة عن إدارة الحياة اليومية لأكثر من مليوني فلسطيني تحت حصار شامل.
2.3. سياسة "فرّق تسُد": كيف خدمت حماس الاستراتيجية الإسرائيلية؟
إن وجود سلطتين فلسطينيتين متنازعتين لم يكن مجرد نتيجة للانقسام الداخلي، بل كان هدفاً استراتيجياً عملت إسرائيل على دعمه. ففي حين كانت تحارب حماس عسكرياً، كانت تسمح بتدفق الأموال القطرية إليها.³³ الهدف الاستراتيجي الحقيقي كشف عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2019: "كل من يريد إحباط إقامة دولة فلسطينية عليه أن يدعم تقوية حماس وتحويل الأموال إلى حماس... هذا جزء من استراتيجيتنا - لعزل الفلسطينيين في غزة عن الفلسطينيين في الضفة الغربية".³³
الفصل الثالث: الطبيعة الوهمية للمقاومة المسلحة
التحليل الاستراتيجي الموضوعي يكشف أن "المقاومة المسلحة"، في شكلها الحالي، هي إلى حد كبير وهمية في تأثيرها العسكري، بل وأصبحت أداة تخدم الأهداف الإسرائيلية من خلال توفير الذرائع اللازمة لتبرير التدمير الممنهج للقطاع.
3.1. الصواريخ البدائية: سلاح نفسي أم ذريعة استراتيجية؟
تطورت القدرات الصاروخية للفصائل الفلسطينية، لكنها تظل في مجملها بدائية الصنع وتفتقر إلى أنظمة توجيه دقيقة.³⁶ تأثيرها الاستراتيجي ليس عسكرياً بقدر ما هو نفسي.³⁸ هذه الصواريخ، رغم محدودية تأثيرها العسكري، تُستخدم كذريعة مثالية من قبل إسرائيل لتبرير شن عمليات عسكرية واسعة النطاق، فتتحول في الخطاب الإسرائيلي إلى "هجوم إرهابي" يستدعي "رداً قاسياً".⁴⁰ هذه المعادلة تخلق حلقة مفرغة كارثية على الفلسطينيين.
3.2. أنفاق القيادة: استراتيجية حماية أم تمترس بالمدنيين؟
تمثل شبكة الأنفاق الواسعة ("مترو غزة") إنجازاً هندسياً وعسكرياً،⁴² لكنها مصممة لأغراض عسكرية بحتة: إخفاء الأسلحة، وتأمين تحركات المقاتلين، وحماية القيادات السياسية والعسكرية للحركة.⁴⁴ لكن هذه الاستراتيجية تكشف عن حقيقة مرة: لقد تم بناء هذه الأنفاق لحماية القادة والمقاتلين، وليس لحماية الشعب. تُرك السكان المدنيون دون أي ملاجئ ليواجهوا القصف الإسرائيلي. إن بناء بنية تحتية عسكرية ضخمة تحت مناطق سكنية مكتظة، مع عدم توفير أي وسيلة حماية للسكان، هو قرار استراتيجي يجعل من هؤلاء المدنيين درعاً بشرياً بحكم الأمر الواقع.
الجدول 2: عدم التكافؤ العسكري بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة
المقارنة
إسرائيل (جيش الدفاع الإسرائيلي)
الفصائل الفلسطينية في غزة (بقيادة حماس)
نسبة عدم التكافؤ (تقريبي)
الميزانية السنوية
أكثر من 23 مليار دولار (2023)
تقدر بمئات الملايين من الدولارات
~ 100 : 1
القوات النشطة
~170,000 جندي نظامي
~30,000 - 40,000 مقاتل
~ 5 : 1
القوات الاحتياطية
~465,000 جندي احتياط
لا يوجد جيش احتياطي منظم
- -
- سلاح الجو
طائرات مقاتلة متطورة (F-35)، مروحيات هجومية، طائرات بدون طيار متقدمة.
طائرات بدون طيار بدائية، طائرات شراعية.
تفوق جوي مطلق لإسرائيل
الدفاع الجوي
أنظمة متطورة (القبة الحديدية، مقلاع داوود، السهم).
منظومات دفاع جوي محدودة الفعالية.
تفوق دفاعي مطلق لإسرائيل
الفصل الرابع: السنن الإلهية في الاجتماع البشري: قراءة قرآنية وتاريخية
إن فهم المأساة لا يكتمل بالتحليل السياسي وحده، بل يتطلب نظرة أعمق في السنن الإلهية التي تحكم صعود وهبوط الأمم. يمثل "السبي البابلي الثاني" نموذجاً تاريخياً صارخاً لعواقب التمرد غير المحسوب، وهو نموذج يقدم دروساً بليغة للواقع المعاصر.
4.1. السبي البابلي الثاني كنموذج تاريخي للتمرد المتهور
في أوائل القرن السادس قبل الميلاد، كانت مملكة يهوذا تابعة للإمبراطورية البابلية. قرر الملك صدقيا، بتحريض من مصر، التمرد على بابل، متجاهلاً التحذيرات المتكررة من النبي إرميا الذي كان يدعوه إلى تجنب مواجهة غير متكافئة.⁵⁸ كانت النتيجة كارثية: في عام 586 ق.م.، دمر الجيش البابلي أورشليم بالكامل، بما في ذلك هيكل سليمان، وبدأت حقبة السبي والشتات.⁶³ إن تمرد صدقيا، الذي رُوّج له كعمل بطولي، لم يؤدِ إلا إلى دمار شامل للدولة وتشريد شعبها.
4.2. الإفساد في الأرض: تفسير قرآني لآيات سورة الإسراء
يقدم القرآن الكريم في مطلع سورة الإسراء إطاراً لفهم هذه السنة الإلهية: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا﴾.⁷¹ تربط كثير من التفاسير "الوعد الأول" بالسبي البابلي.⁷² تكشف الآية عن سنة إلهية عميقة: عندما تصل أمة إلى درجة من الفساد الداخلي والغطرسة والتمرد غير المحسوب، فإن الله يسلط عليها قوة خارجية لتأديبها وتدميرها.
4.3. منهج الاستضعاف في القرآن: "كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ"
في مقابل نموذج التمرد المتهور، يقدم القرآن منهجية واضحة للتعامل مع مراحل الضعف. تتجلى هذه المنهجية في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ...﴾.⁷¹ نزلت هذه الآية في مكة، حين كان المسلمون قلة مستضعفة. الأمر الإلهي "كفوا أيديكم"⁷⁷ ليس دعوة للاستسلام، بل هو تأجيل للمواجهة حتى تتوفر شروطها. المقاومة الحقيقية في مراحل الاستضعاف لا تكون بالمواجهة العسكرية الخاسرة، بل بالصبر والبناء الداخلي للمجتمع: "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة".
4.4. نموذج طالوت: شروط النصر الإلهي
تقدم قصة طالوت في سورة البقرة نموذجاً لشروط النصر الإلهي. لم يكن اختيار طالوت مبنياً على النسب أو المال، بل على الكفاءة الحقيقية: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾.⁸¹ الدرس المستفاد هو أن النصر الإلهي ليس نتيجة حتمية لأي عمل عسكري يرفع راية الدين، بل هو مشروط بقيادة ربانية مؤهلة، وجيش مطيع صابر، ويقين بأن النصر من عند الله وليس بكثرة العدد والعدة.
الجدول 3: مقارنة تحليلية بين السبي البابلي والوضع في غزة وقصة طالوت
المعيار
السبي البابلي (نموذج الفشل)
الوضع في غزة (تحليل مقارن)
قصة طالوت (نموذج النجاح)
القيادة
الملك صدقيا، تمرد على نبوخذنصر وتجاهل تحذيرات النبي إرميا.
قيادات تتخذ قرارات مواجهة غير متكافئة، وتتمترس في أنفاق بعيداً عن معاناة الشعب.
طالوت، تم اختياره من الله بناءً على العلم والقوة.
الاستراتيجية
تمرد عسكري متهور ضد قوة عظمى دون امتلاك مقومات النصر.
مواجهة عسكرية مستمرة ضد قوة ساحقة بأسلحة بدائية، مما يستجلب الدمار.
مواجهة محسوبة بعد تمحيص الجيش واختيار الفئة الصابرة والمؤمنة.
التعامل مع المدنيين
التمترس داخل أسوار أورشليم، مما أدى إلى مجاعة ودمار شامل.
بناء أنفاق لحماية القادة مع ترك المدنيين دون ملاجئ، مما يجعلهم دروعاً بشرية.
لا يوجد ذكر للتمترس بالمدنيين، بل قيادة تتقدم الصفوف.
النتيجة
تدمير كامل لأورشليم والهيكل، وبداية الشتات.
تدمير متكرر للبنية التحتية، وخسائر بشرية فادحة، وتكريس الحصار.
نصر إلهي حاسم: "فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ".
خاتمة: نحو فهم أعمق للمأساة ومسار للخروج
يكشف هذا التحليل أن استراتيجية "المقاومة المسلحة" التي تتبناها الفصائل في غزة هي وهم استراتيجي كارثي. فالصواريخ البدائية لا تشكل رادعاً حقيقياً، بل أصبحت ذريعة متكررة لتبرير التدمير الممنهج للقطاع. كما أن شبكة الأنفاق، التي بنيت لحماية القيادات وليس المدنيين، كرست استراتيجية التمترس وسط السكان.
إن الخروج من حلقة الدمار المفرغة يتطلب مراجعة جذرية لمفهوم "المقاومة" نفسه. إنه يتطلب العودة إلى الحكمة القرآنية والتاريخية، وإدراك أن القوة الحقيقية لا تنبع من صواريخ بدائية أو أنفاق تحت الأرض، بل من بناء مجتمع متماسك، متعلم، ومنتج. إن الصبر الاستراتيجي، والبناء الداخلي، وتوحيد الصفوف، هي الشروط الأساسية التي لا غنى عنها لتغيير موازين القوى الحقيقية، وهي الطريق الوحيد الذي يمكن أن يمهد لتحرير فعلي ومستدام، بدلاً من الانجرار وراء وهم المقاومة الذي لا ينتج إلا المزيد من الدمار والمآسي.