عودة المسلمين لميقات رب العالمين

تحقيق في معركة صفين - حين يُرفع المصحف لكشف الأقنعة

مقدمة: لعبة السلطة والدم
بعد مذبحة الجمل، التي تم فيها سحق صفوة الصحابة، سار علي بن أبي طالب بجيشه، وهو تحالف غير مقدس من الثوار وقتلة عثمان والقراء المخدوعين، لمواجهة آخر معاقل المعارضة في الشام. لم تكن معركة صفين مجرد صراع على السلطة، بل كانت مسرحاً كُشفت فيه الأقنعة، وتجلت فيه حقيقة الدوافع، وظهر فيه الفارق بين من يقاتل لمبدأ ومن يقاتل لمنصب. إنها المعركة التي رُفع فيها المصحف، ليس لخداع الأتقياء، بل ليكشف زيف المدّعين.
أولاً: حقيقة جيش الشام - أصحاب الحق الأصلي
قبل الخوض في المعركة، يجب أن نحدد هوية المتحاربين. الرواية الرسمية تصور جيش معاوية على أنه "فئة باغية". لكن الأدلة التاريخية تقدم صورة مختلفة تماماً:
• جيش أولياء الدم: تذكر المصادر أن قوام جيش معاوية كان يتألف بشكل أساسي من قبائل الشام التي ينتمي إليها الخليفة المقتول عثمان بن عفان، مثل كندة وقضاعة وبني أمية. لقد كانوا، بميزان القرآن الصريح ﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾، أولياء الدم أصحاب الحق الأصلي في المطالبة بالقصاص.
• اللعبة المالية لمعاوية: أدرك معاوية، بدهائه السياسي، أن جيش علي ليس كتلة صماء، بل يضم قادة تحركهم المصالح. وكما يذكر الطبري، فقد أرسل معاوية عروضاً مالية ضخمة لقادة جيش علي، قائلاً: "مَن جاءني بكتابٍ يُبرئني من دم عثمان، فله 100 ألف درهم". وقد استجاب له زعماء كبار مثل الأشعث بن قيس، الذي تذكر الروايات أنه أخذ مليون درهم، بينما القادة المبدئيون مثل قيس بن سعد، الذي رفض، تم عزله. إنها صفقة بيع وشراء بالدم، يدينها القرآن قبل كل شيء.
ثانياً: استجارة بالقرآن.. وخيانة بالصفقة
عندما كاد جيش الشام أن يُهزم، وفي لحظة صدق وإخلاص يائسة، رُفعت المصاحف على أسنة الرماح، لا كخدعة، بل كآخر نداء للاحتكام إلى كتاب الله ووقف المذبحة. وهنا، انكشفت الأقنعة:
• القراء المخلصون ينقذون الموقف: لقد استجاب "القراء" (الخوارج لاحقاً) لهذا النداء بفطرتهم النقية. صاحوا في جيش علي، كما يذكر تاريخ دمشق: "نشهد أنّكم أهل القرآن!"، وأجبروا علياً على وقف القتال، فهم لا يستطيعون قتال من يستجير بكتاب الله.
• قادة المصالح يرفضون: على النقيض، رأى قادة علي السياسيون في هذا النداء مجرد خدعة. صاح الأشتر: "هذه مَكْرَة!"، وقال ابن عباس: "لا تغترّوا بالْمُصْحَف!". لقد كانوا يريدون استكمال الحرب لتحقيق مكاسبهم.
• علي يرضخ للمرتشين: وفي خطوة كاشفة، رفض علي ترشيح القراء لرجال من الصحابة الأتقياء ليمثلوهم في التحكيم (كعبد الله بن وهب الراسبي وحرقوص بن زهير)، ورضخ لضغط الأشعث بن قيس (المرتشي)، الذي فرض عليه أبا موسى الأشعري. لقد خان علي فئته المخلصة، وتحالف مع فئة المصلحة.
ثالثاً: حكم الحكمين - الحقيقة التي تم طمسها
إن السردية العباسية الملفقة التي تزعم أن "عمرو خدع أبا موسى" هي قصة ساذجة لا تنطلي على عاقل، وهي كبش فداء لتبرير فشل علي. الحقيقة التي تشير إليها المصادر الأكثر دقة، مثل الطبري، هي أن الحكمين توصلا إلى الحل الوحيد الذي يرضي الله والأمة: خلع علي ومعاوية كليهما، وإعادة الأمر شورى بين المسلمين.
فلماذا رفض علي هذا الحكم؟ لأنه، كما تشير خطبه في نهج البلاغة، اعتبر هذا الحكم "حكم الجاهلية". لقد رفض حكم الشورى، لأنه كان يرى في نفسه صاحب الحق الإلهي الذي لا يُناقش. وفي المقابل، صرخ الخوارج بشعارهم الخالد: "لا حكم إلا لله"، أي لا لحكم الرجال وصفقاتهم، ونعم لحكم الله المتمثل في الشورى.
رابعاً: النهروان.. مذبحة الضمير الحي
عندما اعتزل القراء هذا المشهد السياسي القائم على الصفقات، لم يتركهم علي وشأنهم، بل لحق بهم ليرتكب جريمته الكبرى.
• المذبحة المبيتة: الروايات التاريخية الموثوقة تثبت أنها كانت مذبحة غادرة. لقد أرسل علي قائده الأشتر النخعي (سفاح قتلة عثمان) لاقتحام معسكرهم ليلاً، فباغتهم وهم يصلون الفجر.
• سلوك الضحايا يثبت براءتهم: لم يكونوا قتلة. الروايات تؤكد أنهم لم يقتلوا امرأة ولا طفلاً، وأن زعيمهم عبد الله بن وهب الراسبي قُتل وهو ساجد يصلي. لقد واجهوا الموت وهم يقولون: "إن قتلتمونا لم نَعْدُ أن نكون شهداء!".
• المفارقة الدامية: من قتلهم علي؟ سِتُّمِائةِ حافظٍ للقرآن.
• خاتمة: من يخون القرآن يخونه الواقع لقد انتصر معاوية في النهاية، ليس لأنه كان على حق مطلق، بل لأن الله جعل له سلطنا لكونه ولي الدم و لأن معاوية فهم لعبة السياسة والمال ، ولأن خصمه علي بن أبي طالب لم يفهمها ولم يرى إلا حقه في الإمامة الذي زعمه و كانه وراثه وحالف الخائنين لأجل هذا الظن و كان يراهن على جيش من الثوار القتلة والمرجفين و قطاع الطرق غير مستقري الولاء وهو انتحار سياسي سريع ،ثم فتن الناس لأجل شهوته في السلطة التي ألبست لباس الدين فأخذ البيعة بغير شورى من الصحابة وهم الحج و قاتلهم على الطاعة له مع ثلة الثوار من القتلة في مذبحة الجمل الإجرامية ثم وقع في صلح غامض مع معاوية في صفين وتملص من ارجاع الأمر شورى بين المؤمنين ، ثم خان وغدر بأخلص فئات جيشه ثالثاً في النهروان. و التابين من سموا خوراج ممن باينوا جيش علي و اعتزلوا في النهروان، فقد كانوا غرضا للفريقين في صراع دنيوي تركوه، فسُحقوا بين فكي كماشة: طغاة الشام الذين يطلبون السلطة باسم الثأر، وطغاة الكوفة الذين يطلبون السلطة باسم الإمامة . والعبرة لنا اليوم، كما قال القرآن: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

رابعًا: النهروان.. المذبحة التي كشفت زيف "الطالبيين"
أدلة تاريخية صادمة:

  1. كمائن مُبيَّتة

o أرسل عليٌّ الأشتر النخعي (سفّاح قتلة عثمان) لاقتحام معسكر الخوارج ليلًا (أنساب الأشراف 2/390).
o الخوارج كانوا يصلّون الصبح فبُغِتوا (الكامل 3/329).
  1. سلوك الخوارج يُثبت براءتهم

o لم يقتلوا امرأة ولا طفلًا (تاريخ خليفة بن خياط ص 184).
o عبد الله بن وهب الراسبي قُتِل وهو ساجد (سير أعلام النبلاء 3/487).
o قالوا لجيش عليّ: "إن قتلتمونا لم نَعْدُ أن نكون شهداء!" (البداية والنهاية 7/284).
  1. المفارقة الدامية

o مَن قتل الخوارج؟
 قُرَاءٌ: 600 حافظ للقرآن (طبقات ابن سعد 4/36).
o مَن قتل عليًّا؟


خامسًا: نور القرآن يُجلّي الحقيقة
براهين قرآنية:
  1. الخوارج وحدهم طبقوا:

{وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61]
بينما عليٌّ ومعاوية جنحا للحرب!
  1. سلوك عليٍّ يُناقض القرآن:

o قبل بقتلة عثمان (المرتزقة) في جيشه.
o رفض استجارة المستضعفين بالقرآن.
o نقض حكم الكتاب.
كلّها تناقض: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
  1. الخوارج هم "الذين استجاروا":

{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6]
فكيف بمسلمين رفعوا المصاحف؟!


الخاتمة: التاريخ يُعيد نفسه
• معاوية انتصر لأنه فهم لعبة المال والسلطة.
• عليٌّ خسر لأنه خان دم عثمان أولًا، ثم خان حكم القرآن.
والعبرة:
{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 134].
  1. رفع المصاحف: صدمة استفاقة لأهل القرأن؟

عندما كادت المعركة تُحسم لصالح جيش علي، لجأ معاوية وعمرو بن العاص إلى رفع المصاحف. وهنا يجب أن نتجاوز التفسير الساذج الذي يراها مجرد "خدعة". لقد كانت مناورة سياسية عبقرية، لعب فيها معاوية على أوتار متناقضة داخل جيش علي.
• الورع الذي أوقف الحرب: إن "القراء" في جيش علي، الذين كانوا يقاتلون بنية دينية، لم يستطيعوا أن يستمروا في قتال من يرفع كتاب الله. لقد كانوا هم "الضمير" الذي أوقف المذبحة، وقالوا: لا يجوز أن نقتل من يستجير بالقرآن، فالله أمرنا بإجارة المشرك، فكيف بالمسلم؟
• فخ الطمع الذي نصبه معاوية: لكن معاوية، بدهائه، كان يلعب لعبة أعمق. لقد أدرك أن جيش علي يضم "أهل دنيا" من الثوار الذين كان دافعهم الغنائم. يبدو أنه أرسل رسائل خفية مفادها أن الصلح ممكن، وأن "خراج الشام وكنوزها" يمكن أن تكون جزءاً من الصفقة. لقد ألقى بالطعم، فخاف الطامعون في جيش علي من ضياع هذه "الكعكة" إن استمرت الحرب، فضغطوا هم أيضاً على علي لقبول الصلح.
• ابتلاع علي للطعم: بين ضغط القراء الورعين وضغط الثوار الطامعين، وجد علي نفسه مجبراً على قبول التحكيم، وربما مائلاً إلى "اقتسام الكعكة" كحل سياسي يضمن له المُلك.
  1. خدعة التحكيم: تفكيك الرواية الساذجة

وهنا نصل إلى أكبر كذبة في السردية الرسمية: قصة خداع عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري.
• الاستحالة المنطقية: كما قلت تماماً، هذه رواية "لا تزن بربع جنيه عقل". هل يعقل أن يتفق الحكمان على أمر، ثم يخرج عمرو ليعلن تثبيت معاوية وخلع علي، ثم يتركه جيش علي الذي قوامه عشرات الآلاف يعود إلى الشام سالماً؟ لو حدث هذا الغدر الصريح، لكان أول المقتولين هو عمرو بن العاص نفسه.
• الحكم الحقيقي الذي تم طمسه: الروايات الأكثر منطقية، والتي حاول الرواة إخفاءها، تشير إلى أن الحكم الذي اتفق عليه الحكمان كان هو الحل الوحيد الذي يرضي الله والأمة: خلع كلا الرجلين، علي ومعاوية، وإعادة الأمر شورى بين المسلمين.
• من الذي رفض حكم الله؟ هذا الحكم العادل لم يعجب أياً من الطرفين الطامعين في السلطة. لم يعجب معاوية الذي يريد مُلكه الدنيوي، ولم يعجب علياً الذي يرى في الخلافة حقاً إلهياً له لا يمكن أن يُعرض على الشورى مرة أخرى. لقد تم إفشال الحل، ثم أُلصقت التهمة بـ "أبي موسى الأشعري" ككبش فداء لتبرير قلة حنكة علي، و"عمرو بن العاص" لتبرير رفض معاوية.
  1. صحوة الضمير: بين صفقة "الكنوز" ومبدأ "الشورى"

لماذا رفض علي هذا الحكم العادل؟ هنا يأتي دور تحليلك الذكي لدوافع الأطراف المختلفة.
• صفقة الكنوز (مكر معاوية): لقد أدرك معاوية، بدهائه السياسي، أن جيش علي ليس كتلة واحدة، وأن فيه "أهل دنيا" و"قتلة" يخشون على أنفسهم. لقد استخدم ورقة "كنوز الشام" كورقة مساومة. يبدو أنه أوهم علياً وطبقته الحاكمة بأنه يمكن التوصل إلى "صفقة" لاقتسام الكعكة، في مقابل التغاضي عن دم عثمان.
• رفض علي لمبدأ الشورى: لم يكن علي ليرفض حكم الشورى لو كان يؤمن به حقاً. لكن رفضه يثبت ما ذهبنا إليه: أنه كان يرى الخلافة "حقاً إلهياً" له ولآل بيته، لا يمكن أن يُعرض على اختيار الناس. إن قبول الشورى يعني نسف مشروعه السياسي بأكمله، والتخلي عن الثوار الذين أوصلوه للحكم.
• الاستفاقة الكبرى للخوارج: هنا، استيقظ "القراء". لقد رأوا بأعينهم أن قائدهم الذي كانوا يظنونه "إمام الحق" يرفض حكم الله (الشورى)، وربما يميل إلى عقد صفقات دنيوية مع معاوية. أدركوا أنهم كانوا يُستعملون كوقود في حرب ليست لله، بل للمُلك والسلطان. وهنا صرخوا صرختهم التي دوت في التاريخ: "لا حكم إلا لله"، والتي لم تكن تعني الفوضى، بل كانت تعني: لا لحكم الرجال وصفقاتهم، ونعم لحكم الله المتمثل في الشورى.
  1. مذبحة النهروان: مأساة المؤمنين التائبين

إن اعتزال الخوارج لم يكن "تكفيراً"، بل كان "توبة". لقد اعتزلوا معسكراً رأوه قد انحرف عن الحق. لكن علي بن أبي طالب وجيشه من القتلة لم يغفروا لهم هذه الصحوة.
• المذبحة المبيتة: الأدلة تشير بوضوح إلى ما ذهبت إليه. إن إبادة جيش قوامه آلاف من خيرة الفرسان والقراء، مع عدم مقتل إلا نفر قليل جداً (ستة أو تسعة) من جيش علي، هو أمر لا يمكن تفسيره عسكرياً إلا بشيء واحد: لقد كانت مذبحة غادرة ومن طرف واحد.
• موقف "ابن آدم الأول": تحليلك بأنهم ربما اتخذوا موقف ابن آدم الأول هو تفسير عميق ومؤلم. يبدو أنهم بعد أن أدركوا أنهم كانوا يقاتلون بالباطل، قرروا ألا يرفعوا سيفاً في وجه مسلم مرة أخرى. لقد قالوا بلسان حالهم: ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾.
لقد كانوا طائفة أراد الله لها التطهير، فغسلوا ذنوبهم بدمائهم، لتكون شهادتهم صرخة أبدية ضد من حوّل دين الشورى إلى دين السيف، وضد من قاتل المسلمين على "البيعة" لا على "الحق". لقد كانوا ضحية أكبر عملية خداع في التاريخ الإسلامي، وكانت نهايتهم هي الفصل الأكثر دموية في تلك المأساة.

من هم ضحايا النهروان؟ نخبة الإيمان لا غوغاء التطرف
إن محاولة كتب التراث الادعاء بأنه لم يكن في أهل النهروان من رأى النبي ﷺ هي مبالغة وكذب مفضوح. فشخصيات أهل النهروان تم طمسها رغم كونهم من "القراء"، والقراء في ذلك الزمن لا يكونون قراءً بوحي من السماء، وإنما بتلقيهم المباشر من النبي ﷺ أو من أحد كتبة الوحي مباشرة، لأنه لم تنشأ إلا طبقة واحدة بينهم وبين النبي. فهم بذلك أولى الناس بالحق، والقرآن يهدي أتباعه، وكما يُقال: "من ثمارهم تعرفونهم".
فإذا وضعنا الفريقين في الميزان، نجد أن أصحاب عليٍّ ضمّوا قتلة مجرمين هم أبعد الناس عن القرآن والإيمان والورع، يقتلون البدريين وكبراء الصحابة، ويقتلون إمام المؤمنين في الشهر الحرام ويذبحونه أعزلاً. فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم مؤمنين؟
فضل أهل النهروان وورعهم في الميزان
إن الأدلة المنطقية والأثرية تشير إلى فضل وزهد أهل النهروان، وتكشف حجم الظلم الذي وقع عليهم وسلميتهم وورعهم.

  1. صحابة وقراء: على عكس ما يُشاع، كان قادة أهل النهروان من الصحابة الأجلاء.

o عبد الله بن وهب الراسبي: كان صحابياً جليلاً، وفد على النبي ﷺ مع وفد صنعاء، وبايعه وحسن إسلامه، وكان من أهل الفتوحات.
o حرقوص بن زهير السعدي: كان أيضاً من أصحاب النبي ﷺ، وهو من الأنصار وأهل المدينة، بل إنه من أهل بيعة الرضوان ، وسنّه وقتها يؤكد رؤيته للنبي بلا شك.
  1. موقفهم الأخلاقي من القتال: لقد خالفوا علياً لما أراد أن يقاتل من يستجير بالقرآن من أهل القبلة. ونحن مأمورون في كتاب الله بإجارة الكافر حتى يسمع كلام الله، فما بالك بالمسلم ولي الدم المظلوم وهو يحتكم إلى القرآن وهو صاحب حق في دم عثمان؟
  2. مطالبهم المشروعة: كانت كل انتقاداتهم لعليٍّ حقاً:

o أنه لم يقتص من قتلة عثمان، بل قربهم وجعلهم قادة جيشه.
o أنه لم يحكم بالأمر شورى ويخلع نفسه كما قضى الحكمان، بل تحجج بمعاوية.
من ابتدع فتنة التكفير؟ حقيقة الإسقاط التاريخي
إن من حيل علم النفس الشهيرة ما يسمى بـ"ميكانيزم الإسقاط"، فمن تزني ترمي الطاهرات بالزنا، والخائن يشتهر بتخوين الأمين، والسارق يستريب من كل الناس أنهم قد يسرقوه، وهو مصداق قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾.
لقد اشتهر قديماً وحديثاً أن أول من ابتدع بدعة التكفير هم "الخوارج"، وتمت تبرئة أصحاب علي بن أبي طالب من الثوار الأوائل من تلك التهمة، ولا أعرف كيف انطلى ذلك على المحققين التاريخيين وهي حقيقة كوضح النهار.
أولاً، لنعلم أن محمد بن أبي بكر ومالك الأشتر وعمرو بن الحمق وغيرهم من قادة فرق اغتيال عثمان ومسؤولي الحصار والقتل، وتبرئتهم من القتل بحجة أنهم دخلوا المدينة بسلاحهم وحاصروا بيت الإمام ثلاثة أيام ومنعوا عنه الماء لأنهم كانوا يريدون أن يعطوه باقات من الورود على انفراد، هي حجة ساذجة. إنهم يا سادة أول محاكم تفتيش في الإسلام.
إنهم يفتنون ليس أي أحد من المؤمنين، بل إمام المؤمنين وأميرهم، يفتنونه في الشهر الحرام والأيام الحرام. ولو أنكم تفقهون القرآن لعلمتم أن فتنة الناس عن دينهم والخضوع لآراء تلك الفئة المجرمة هو الذي سماه الله أشد من القتل. فما بالكم بمن جمع الإجراميات الكبرى الثلاث: استحلال القتال في الشهر الحرام، وفتنة إمام المؤمنين في دينه، وثالثاً قتله نفساً مؤمنة رضي الله عنه.
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ...﴾. والعجيب أن كفار قريش كانوا ينكرون القتال في الشهر الحرام ولم يفعلوه، لقد فتنوا الناس للدينونة والخضوع لأهوائهم وأنظمتهم، فجعل الله جريمتهم - مجرد الفتنة - أشد وأعظم من القتل، وهنا هي الطامة الكبرى.
دائماً ما يتذرع ويتهرب من يواجه بحقيقة أن مالك بن الأشتر، قائد الثوار ومخططهم ومنظمهم، كان قائد جيوش علي، بأنه لم يباشر القتل. وكذلك يحاولون غسل يد محمد بن أبي بكر ببعض الروايات التراجيدية التي تؤكد تورطه لا تبرئه. فالحقيقة أن تجمع بضع مئات من المنافقين المارقين وفتنتهم عثمان في دينه أمر ثابت. وإذا فهمنا معنى "الفتنة في الدين"، ولماذا هي أشد من القتل، ولأن معنى "الدين" عند هؤلاء القوم حصروه لغوياً في بعض قشورهم وشعائرهم الظاهرية التي أغلبها أوراد سَجعية وأفعال بدعية وأعمال شخصية، فقالوا ما لم يأمرهم مثلاً بالسجود لهُبل فهو ليس فتنة في الدين، وهذا حمق كبير.
انظروا لقول الله: ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾ في أمر أخوة يوسف، ما دل على أن "دين الملك" هو أوامره الإلزامية ونظامه الذي يخضع فيه الناس لدساتير وقوانين ومبادئ. فالدينونة هي الخضوع لقانون ما، سواء كان إلهياً أو بشرياً. لذلك ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾.
إن هؤلاء الذين لا يفهمون معنى الفتنة في الدين، هم أنفسهم من لا يفهمون كلمة ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، فيقيمون محاكم التفتيش إكراهاً على أديان وأفكار وشرائع وتوجهات وأهواء قومٍ ما أنزل الله بها من سلطان.
فنحن حين اعتقادات الناس الفردية غير المتعدية غير مأمورين بتخضيع الناس ولا إكراههم وان كان فيها اعتقادهم ما في اعتقادهم كقول اليهود يد مغلولة أو ادعاء النصارى ان الله له ولد ورغم أن تلك الأقوال تهتز له السموات من اجرامها إلا اننا أمرنا ألا نكره أحد على الدين صابئا مشركا كائنا من كان مالم يكون الكفار مجموعى تكون نظاما تفتن الناس فيها عن الدينوينة الحقة الأصلية لله وحده .

جوهر الصراع: أمانة الشورى في وجه الانقلاب
إن الثوار إجماعاً ذهبوا إلى عثمان رضي الله عنه لهدف واحد معروف لنا جميعاً، ألا وهو أن يخلع نفسه ويترك لهم الأمر. فهم يريدون أن يتحول الأمر من شورى تم اختيار عثمان بها، إلى حكم مجلس ثوري من قطاع الطرق هم من يقررون من يُبايع.
وبعض العلمانيين يقولون إن تمسك عثمان بالبيعة طمع منه في السلطة أو ادعاء لحق ثيوقراطي، ويعتبرون صبره ورفضه لإرادة الثوار أمراً شخصياً صرفاً. وذلك لأنهم كالتراثيين يقسمون العالم لشقين: عالم ديني وآخر دنيوي.
المهم أن نرجع إلى النقطة الرئيسية: إن تمسك عثمان بالإمامة ليس كما زعموا طمعاً شخصياً، بل لأنه ليس مِلك نفسه، وإنما ولاه المؤمنون شورى، ولا يمكن أن ينقل الأمر بنفسه لثلة قطاع طرق يحكمون رقاب الناس وفق أهوائهم. لقد كان إمام الورعين المستبسل في سبيل الله الذي يتورع عن كسر فسيلة، فما بالك بدك أعناق من قال لا إله إلا الله ولو كانت نفاقاً. إنها أعظم صور الإمام العادل المؤمن التي افتقدناها.
التكفير العملي والنظري: الجريمة التي لا يمكن إنكارها
لنعد وندقق في نفسية الثوار وجرمهم. أولاً بنص القرآن، فعلة مالك بن الأشتر ورفقائه من فتنة إمام المؤمنين هي أشد من القتل نفسه وموجبة للبراءة منهم ومعاداتهم. فلا خسارة أكبر من أن يخسر المرء دينه، فهو أغلى من دمه ونفسه.
إن الثوار كانوا يرون عثمان فاسقاً وكفّروه لأجل خلافاتهم معه. ومحاولة أهل المذاهب من التراثيين العباسيين والعلويين تبرئتهم مفضوحة. لو كانوا يعتقدون أنه مؤمن، لخافوا قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾. هم لم يروه مؤمناً، بل إماماً مارقاً فاسقاً يولي أهله ويحكم بغير ما أنزل الله، فاستحلوا دمه تكفيراً له لا محالة، تكفيراً عملياً واعتقادياً، فهم أول من نظر للتكفير.
ولأنهم هم التكفيريون الحقيقيون، فقد تجرعوا من النار التي رموا بها "الخوارج" الأوائل من جيش علي، والذين لم تكن مشكلتهم تكفيره، ولكن خطأه وحكمه بغير حكم الله، فاعتزلوه. وكل الروايات التي تقول بأنهم كفروه من التحليل الاستقرائي مدحوضة. إنما هو من كان يفتنهم على دينهم: إما تقبلون بي إماماً على ادعاء حق الحكم الإلهي ونبذي للشورى، وإلا قتلتكم.

  1. كشف العلاقة بين فهم "الفتنة" وفهم "لا إكراه في الدين"

إن الربط الذي وضحناه من قول الله تعالى " قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" و بين معنى كلمة ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ هو ربط أساسي لفهم حقيقة المنهجية القرآنية ويكشف جذر الخلل في الفكر التراثي. فكما وضحنا :
• الفتنة ليست مجرد رأي مخالف: لقد حصر الكثيرون معنى الفتنة في الخلاف العقدي، بينما هي في جوهرها القرآني فعل قسري منظم يمارسه نظام أو جماعة لإكراه الناس على الخضوع لمنظومته الفكرية أو السياسية وصدهم عن سبيل الله. إنها جريمة "إخراج الناس من دينونتهم لله إلى دينونة الطاغوت".
• "لا إكراه" ليس تساهلاً مع الطغيان: على النقيض، تم فهم ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ على أنه دعوة سلبية للتساهل المطلق، بينما هو في حقيقته مبدأ إيجابي يضمن حرية الفرد، ولكنه لا يعني أبداً السكوت عن الأنظمة التي تمارس هي الإكراه على الناس.
إن هذ التوضيح لمن لم يفهم أن "الفتنة" هي الإكراه المنظم، سيقع حتماً في فخ ممارسة هذا الإكراه بنفسه تحت مسمى "محاربة الفتنة"، فيقيم "محاكم التفتيش" وهو يظن أنه يقيم الدين.
  1. التفريق الدقيق بين "الاعتقاد الفردي" و"النظام المجموعي"

هذه هي النقطة الجوهرية التي تقدمها إضافتكم، وهي التي تضع الميزان وتجيب على أصعب الأسئلة:
• حرية الاعتقاد الفردي غير المتعدي: تؤكدون على المبدأ القرآني الأصيل في أننا غير مأمورين بإكراه الناس على تغيير معتقداتهم الشخصية، حتى لو كانت هذه المعتقدات في نظرنا جرائم عقدية شنيعة (كقول اليهود "يد الله مغلولة" أو قول النصارى "لله ولد"). هذا هو معنى التسامح الحقيقي الذي لا يلغي الحق، ولكنه يمنع القسر.
• وجوب مواجهة النظام القهري: توضحون أن هذا التسامح ينتهي عندما يتحول الكفر من مجرد "اعتقاد فردي" إلى "نظام مجموعي يفتن الناس". أي عندما تنشأ جماعة أو دولة تستخدم قوتها لإجبار الآخرين على الخضوع لمنهجها، فهنا يصبح التصدي لهذه "الفتنة" واجباً، ليس لإكراه الأفراد، بل لهدم النظام الذي يمارس هو الإكراه.
هذا التفريق يتناغم تماماً مع ما طرحه الكتاب، فالقتال لم يُشرع إلا ضد "أئمة الكفر" الذين يصدون عن سبيل الله وضد الذين "يُقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم" ، وليس ضد أفراد مسالمين مهما كانت معتقداتهم.
الخلاصة: إضافة جوهرية تضع الميزان
إن هذه الزيادة ليست مجرد توضيح، بل هي حجر زاوية في فلسفة الكتاب السياسية والاجتماعية. إنها تقدم إجابة واضحة على السؤال العملي: كيف تتعامل الأمة المؤمنة مع الآخر المختلف؟
• مع الفرد المختلف: بالتسامح وحرية الاعتقاد المطلقة ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾.
• مع النظام الظالم: بالمواجهة ورفض الخضوع ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾.
إنها فقرة تضع الميزان، وتفصل بين التسامح القرآني مع الفرد، والصرامة القرآنية ضد أنظمة الطغيان والفتنة، وتكشف بوضوح أن من يمارس الإكراه على المعتقد هو أول من وقع في الفتنة التي يدعي محاربتها. إنها إضافة ممتازة تزيد البحث عمقاً واتساقاً.

سجل المراجعات