الفصل الثالث: صنم السلف الصالح - خديعة "كلهم عدول" ودرع حماية المنافقين
الكتاب الأول: هدم الأصنام الفكرية
الفصل الثالث: صنم السلف الصالح - خديعة "كلهم عدول" ودرع حماية المنافقين
مقدمة: الصنم الذي يحرس كل الأصنام
بعد أن هدمنا صنم "الخلق بالصدفة" ورأينا أن الكون يشهد لخالق عليم، وبعد أن هدمنا صنم "الألم العبثي" ورأينا أن الابتلاء يشهد لإله حكيم، نصل الآن إلى الصنم الأكبر والأكثر قداسة في دين التراث: صنم "السلف الصالح"، والذي يقوم على عقيدة خبيثة هي "الصحابة كلهم عدول".
إن هذه العقيدة ليست مجرد رأي فقهي، بل هي الأساس الذي بُني عليه دين التراث كله. هي القلعة التي يتحصن بها الكهنة والأحبار، وهي الدرع الذي يحمون به رواياتهم المتناقضة، وهي السيف الذي يضربون به كل من يحاول العودة إلى القرآن وحده. في هذا الفصل، سنسلط نور القرآن على هذه العقيدة لنكشف أنها ليست من دين الله في شيء، بل هي أخبث شعار سياسي تم اختراعه في تاريخ الأمة.
1. شعار سياسي، لا حقيقة قرآنية
إن أول ما يصدمنا حين نعرض عقيدة "كلهم عدول" على القرآن هو أنها تصطدم معه اصطدامًا مباشرًا. القرآن يصرخ في عشرات الآيات بوجود فئات متعددة حول النبي:
- المؤمنون الصادقون.
- المنافقون الذين مردوا على النفاق.
- الأعراب الذين دخلوا نفاقًا.
- الذين في قلوبهم مرض.
بل إن الله يقول لنبيه نفسه عن أخطر أنواع المنافقين:
﴿...وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ...﴾ (التوبة: 101).
إذا كان النبي نفسه لا يعلمهم، فكيف يأتي رجل بعده بقرون ليقول لنا إن "كل من رأى النبي فهو عدل"؟ إنها والله مصادمة صريحة لكتاب الله.
إذًا، من أين جاءت هذه العقيدة؟
لقد جاءت من رحم السياسة، لا من وحي السماء. إنها "تأصيل براغماتي" وُضع لخدمة أغراض سياسية بحتة. إنها العقيدة التي تسمح للسياسي باللعب على كل الحبال. هي التي تبرر لابن عباس أن يكون اليوم من رجال علي، وغدًا من رجال معاوية. هي التي تحول الدين من "مبادئ" ثابتة، إلى "مصالح" متقلبة، وتؤسس لدين "الطاعة لمن غلب"، وهو دين الملوك لا دين الله.
2. درع للمنافقين، وسيف على المؤمنين
إن الهدف الحقيقي من هذه العقيدة الخبيثة له وجهان:
- الوجه الأول (الدرع): توفير حماية للمنافقين والمجرمين.
لقد كانت هذه العقيدة هي الدرع الذي احتمى به كل طاغية، وكل قاتل، وكل منافق في تاريخ الأمة. فبمجرد أن تثبت له "الصحبة" ولو ليوم واحد، صار في برج محصن، لا يجوز لك أن تقيس أفعاله (كسفك الدم وهدم الشورى) بميزان القرآن. فكلما أردتَ أن تحاكم "فعله"، صرخوا في وجهك: "إياك! إنه يسب الصحابة!". لقد كانت هذه القاعدة هي الأداة المثلى لخلط الأوراق، حتى لا تستطيع أن تميز الخبيث من الطيب.
- الوجه الثاني (السيف): تشويه صورة المؤمنين الصادقين.
ولكي تكتمل المؤامرة، كان لا بد من تشويه صورة كل من وقف في وجه هؤلاء الطغاة والمنافقين. فبدأت مصانع الروايات في العمل ليل نهار:
- أم المؤمنين عائشة: التي خرجت غضبًا لله تطالب بالقصاص لدم عثمان، لفقوا لها أبشع الروايات ليشوهوا سمعتها ويسقطوا شهادتها.
- طلحة والزبير: من سادة المهاجرين، صاروا في رواياتهم "بغاة" و "ظلمة".
- أهل النهروان: صفوة العباد والقراء، صاروا "كلاب أهل النار".
لقد فعلوا ذلك لغاية واحدة: أن يجعلوك تكره من دافع عن الحق، وتتعاطف مع من ارتكب الجريمة.
3. الحرب على القرآن نفسه
ولكي يثبتوا هذه القاعدة الشيطانية، كان عليهم أن يشنوا حربًا على القرآن نفسه، وأن يزرعوا في قلوب الناس الشك في كماله وحفظه. فظهرت روايات عجيبة:
- رواية تقول إن عمر أراد أن يضيف "آية الرجم" إلى المصحف!
- ورواية تقول إن طيرًا داجنًا أكل آية كانت تحت فراش النبي!
لماذا كل هذا؟ لكي يقولوا لك إن القرآن ليس كاملاً، وأن الدين الحقيقي موجود في رواياتنا نحن. لقد كان لا بد من هدم ثقة الأمة في القرآن، لتقوم ثقتهم في روايات الرجال.
خاتمة: دين الرجال لا دين الله
إن عقيدة "الصحابة كلهم عدول" لم تُصغ لتعظيم السلف، بل لترسيخ تقديس المنافقين، ولإعطاء شرعية لكل طاغية، ولجعل الولاء للأشخاص لا للمبادئ. إنها القاعدة التي تحول الإسلام من عبادة لله وحده، إلى عبادة لـ "حزب الصحابة" الذي اخترعوه، والذي يضم في صفوفه المؤمن الصادق، والمجرم القاتل، والمنافق الخبيث، تحت راية واحدة زائفة.
إنه دين الرجال، لا دين رب العالمين. وفي الفصول القادمة، سنرى كيف أن هذا الصنم كان هو مفتاح كل الفتن التي دمرت جسد الأمة.