عودة المسلمين لميقات رب العالمين

تحقيق هل تزوج النبي حقاً طفلة في التاسعة؟

إن من أعظم الحجج التي يتذرع بها فقهاء التراث لتبرير "نكاح الصغيرة"، هو زعمهم أن النبي ﷺ نفسه تزوج ودخل بالسيدة عائشة وهي ابنة تسع سنوات. وهذه الرواية، رغم شهرتها، هي مثال صارخ على كيفية انتقاء أهل التراث لما يوافق أهواءهم، وتجاهلهم لأدلة أخرى من نفس كتبهم تهدم روايتهم من أساسها.
وإن كنا نرى كل أدلتهم الموازية لا أدلة فيها وانها لا تبلغ حتى مبلغ الظنون فكثير منها يقينا كذب وانتحال
ومن فرط كذبهم البحت، فلم يجدوا كما قلنا إلا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، التي لقيت الأذى من المنافقين في حياة النبي ﷺ بحادثة الإفك فبرأها الله من فوق سبع سماوات، ثم لقيت الأذى بعد موته بكثرة الكذب عليها بأحاديث لا حياء فيها، كزعمهم أنها قامت تغتسل أمام الأغراب لتريهم كيفية الغسل...
ف إن من أشنع ما تم دسّه في كتبهم، ونسبته إلى "الصحيح"، هو تلك الروايات التي تصف كيف أن رجالاً أجانب كانوا يدخلون على أم المؤمنين عائشة ليسألوها عن كيفية اغتسال النبي من الجنابة. يزعمون أنها قامت تغتسل أمامهم لتريهم كيفية الغسل، وبينهم وبينها حجاب، فيرونها تنثر الماء على شعرها وهي تقول لهم هكذا، وتهريق الماء على رأسها . فهل يعقل أن امرأة، أي امرأة، تفعل هذا أمام أخيها وأبيها، فضلاً عن رجال أغراب؟
وعندما تواجههم بشناعة هذا المشهد، يسارعون إلى الترقيع والدفاع، فيقولون إن من دخل عليها كان ابن أختها من الرضاعة . ولا نعرف من أين جاؤوا بهذا التلفيق، فالقرآن حين ذكر المحرمات من الرضاعة حصرها في فئتين فقط: ﴿...وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ...﴾ [النساء: 23] . فأما تحريم ابنة الأخ من الرضاعة أو ابن الأخت من الرضاعة، فهو قياس وتوسع في التحريم لم يأذن به الله .

ثم جاؤوا بالطامة الكبرى، فلكي يشرعنوا لشهواتهم ونكاحهم للصغيرات، انتحلوا آثاراً تقول إن النبي ﷺ تزوجها وهي ابنة تسع سنوات ودخل بها، وهذا قبح كبير. والعجيب أنهم في سبيل ترسيخ هذه الرواية الواحدة، تجاهلوا أدلة تاريخية أخرى من صلب كتبهم هم، والتي تثبت عكس زعمهم. فهم أنفسهم من يروون أن أختها أسماء كانت تكبر عائشة بعشر سنين، وأن أسماء ماتت عن عمر مئة عام سنة 73 هـ، وهو ما يجعل عمر عائشة عند الزواج 19 عاماً وليس 9. لكنهم، كما هي عادتهم، ينتقون ما يوافق تأصيلاتهم الباردة، ويضربون ببقية الأدلة عرض الحائط، حتى لو كان الثمن هو نسبة فعل شنيع إلى نبيهم الكريم ﷺ
دعنا نفحص الأدلة كالمحققين:
الدليل الأول: الرواية المشهورة (حجة الخصوم)
نص الرواية: أشهر رواية في هذا الباب، والموجودة في صحيح البخاري وغيره، تأتي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة نفسها أنها قالت: "تزوجني النبي ﷺ وأنا بنت ست سنين، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين".
وظيفتها: هذه الرواية هي العمود الفقري الذي يقوم عليه فقه جواز نكاح الصغيرات. وهي التي يستخدمونها لرد كل الأدلة العقلية والقرآنية والطبية التي تحرم هذا الفعل.
الدليل الثاني: الأدلة التاريخية المعارضة (من داخل كتبهم)
والآن، لنترك هذه الرواية جانباً وننظر في بقية كتب التاريخ والتراجم التي يعتمدونها هم أنفسهم، لنرى كيف أن رواياتهم تكذب بعضها بعضاً:
حجة فارق السن مع أختها أسماء (الدليل القاصم):
تتفق كل كتب التاريخ والتراجم (مثل "البداية والنهاية" لابن كثير و"الإصابة" لابن حجر) على أن أسماء بنت أبي بكر كانت أكبر من أختها عائشة بعشر سنوات.
وتتفق نفس المصادر على أن أسماء توفيت سنة 73 هـ عن عمر يناهز 100 عام.
العملية الحسابية البسيطة: إذا كانت أسماء تبلغ 100 عام سنة 73 هـ، فهي إذاً كان عمرها 27 عاماً وقت الهجرة (100 - 73 = 27). وبما أنها أكبر من عائشة بـ 10 سنوات، فإن عمر السيدة عائشة وقت الهجرة كان 17 عاماً. وبما أن الدخول بها كان في السنة الأولى أو الثانية للهجرة، فإن عمرها عند الدخول كان بين 18 و 19 عاماً، وليس تسع سنوات! هذا دليل تاريخي بسيط يهدم روايتهم بالكامل.
حجة شهود الغزوات:
تذكر مصادر تاريخية أن عائشة كانت موجودة في غزوتي بدر وأحد. ومن المعلوم أن النبي ﷺ كان يرد الصبيان الذين هم دون الخامسة عشرة عن المشاركة في القتال. فكيف تكون طفلة في العاشرة أو الحادية عشرة من عمرها في ساحة المعركة؟ هذا يشير إلى أنها كانت قد بلغت سناً يسمح لها بالخروج مع الجيش، أي أنها كانت في أواسط سن المراهقة على الأقل.
حجة قوائم المسلمين الأوائل:
يذكر مؤرخون قدماء، مثل ابن إسحاق، اسم عائشة ضمن قائمة من أسلموا قديماً في مكة. في ذلك الوقت، كانت لا تزال طفلة صغيرة جداً حسب رواية التسع سنوات (ربما سنتين أو ثلاث). فكيف تُدرج في قائمة المسلمين وهي لا تزال في هذه السن التي لا تعقل فيها معنى الإيمان أو الإسلام؟ هذا يدل على أنها كانت أكبر سناً، وممن عقلوا الدعوة في ب
تفنيد ادعاء سن عائشة: بين التناقضات التاريخية وتلفيق الروايات
ومن أدلتهم المُعتمدة على تبرير بيدوفيليا "نكاح الصغيرة" - زعماً - روايات ظنية تزعم أن النبي (ص) تزوج عائشة رضي الله عنها ودخل بها وهي بنت تسع سنين. وهذه الروايات:
ولمزيد من التوثيق سنذكر النصوص التراثية المتناقضة و روايتهم المتناقضة مع ذكر المراجع و المصادر للتوثيق و:
رواية ابن عباس في "سنن الترمذي" (3/409) تُصرح: "تزوجها وهي ابنة سبع سنين، ودخل بها وهي ابنة تسع"
بينما رواية أبو معاوية في "المعجم الكبير" للطبراني (23/337) تقول: "تزوجها وهي ابنة ثلاث عشرة، ودخل بها وهي ابنة أربع عشرة".
ورواية الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (2/136) تذكر أن عمرها عند الهجرة كان 14 سنة، أي تكون عند الزواج (قبل الهجرة بسنتين) نحو 12 سنة، وعند الدخول (بعد الهجرة بسنة) نحو 15 سنة.
فأي رواياتهم نصدق؟
القرائن التاريخية تُكذب الرواية كما أسلفنا :
ثبت أن أسماء بنت أبي بكر (شقيقة عائشة الكبرى) وُلِدت قبل الهجرة بـ27 سنة، وكانت أكبر من عائشة بـ10 سنوات (ابن حجر، "الإصابة" 8/16). وتتفق نفس المصادر على أن أسماء توفيت سنة 73 هـ عن عمر يناهز 100 عام.
العملية الحسابية البسيطة: إذا كانت أسماء تبلغ 100 عام سنة 73 هـ، فهي إذاً كان عمرها 27 عاماً وقت الهجرة (100 - 73 = 27). وبما أنها أكبر من عائشة بـ 10 سنوات، فإن عمر السيدة عائشة وقت الهجرة كان 17 عاماً. وبما أن الدخول بها كان في السنة الأولى أو الثانية للهجرة، فإن عمرها عند الدخول كان بين 18 و 19 عاماً، وليس تسع سنوات! هذا دليل تاريخي بسيط يهدم روايتهم بالكامل.

كيف يُعقل أن يُخطب النبي (ص) لطفلة لم تُولد بعد؟ (فالخطبة تمت قبل الهجرة) بينما وُلدت عائشة قبل البعثة النبوية بأربع سنوات (ابن عبد البر، "الاستيعاب" 4/377).

ثانياً: روايات متناقضة مع القرآن والعقل
حادثة الإفك دليل على نضجها:
حادثة الإفك (سورة النور) وقعت سنة 5 هـ، فإذا كانت - حسب رواياتهم - بنت 9 سنوات عند الدخول سنة 2 هـ، تكون عند الحادثة بنت 12 سنة فقط! فكيف يُعقل:
أن تُتَّهم بعلاقة غرامية مع شاب في هذا العمر؟
أن تناقش النبي (ص) والصحابة بحجج لاهوتية دقيقة (كما في البخاري 4750)؟
أن تُنزل الله براءتها في قرآن يُتلى؟
كل هذا يؤكد أنها كانت امرأة ناضجة عقلياً واجتماعياً.
روايات الغسل أمام الأجانب: افتراء صريح:
رواية "أن عائشة كانت تغتسل وراء حجاب ويُرى ماء الشعر" (أبو داود 248) – لتعليم الغسل – تناقض صريحاً:
آية الحجاب (سورة النور: 31) تأمر بإخفاء الزينة حتى عن "غير أولي الإربة".
كيف تُظهر جسدها وشعرها لأجانب؟!
هذا الادعاء امتداد لحادثة الإفك، يشيعه نفس الدائرة (رواة الزهري) الذين رووا رضاع الكبير!
ثالثاً: رواية الرضاع الكبير: دليل على التلفيق المنهجي
رواية "رضاع الكبير" (صحيح مسلم 3425) التي تزعم أن سهلة بنت سهيل طلبت من النبي (ص) أن يُرضع عنها سالم (ابنها بالتبني) ليدخل عليها! هي:
مخالفة للعقل: كيف يرضع رجل بالغ؟
مخالفة للقرآن: القرآن حرم الزواج بالمُرضعة فقط (سورة النساء: 23)، ولم يذكر "الرضيع" أبداً.
مخالفة للسنن الكونية: لا يُنتج لبن امرأة إلا بالإرضاع المتكرر، لا بمجرد النظرة!
فمن يروي هذا الهذيان، كيف نصدقه في رواية سن عائشة؟
خاتمة: توظيف البراءة لتمرير الجريمة
لقد استهدفوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها - التي برأها الله في القرآن - بنفس آلية تشويه الضحايا اليوم:
قديماً: افتروا عليها في حادثة الإفك وهي الطاهرة.
حديثاً: افتروا عليها بروايات "الغسل" و"الرضاع الكبير" و"زواج الطفلة" لتبرير أفعال شاذة.
فلا غرابة أن يختلقوا روايات تسقط شرط الرشد القرآني في النكاح (النساء: 6)، وتُحول المهر إلى "ثمن بيع" (وهو سُحت بيّن)، وتجعل الطفولة غطاءً لجرائمهم!
توثيق المراجع:
سنن الترمذي، كتاب المناقب
الطبراني، المعجم الكبير، حديث رقم 10776
الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 2 ص 136
ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج 8 ص 16
ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 4 ص 377
صحيح البخاري، كتاب المغازي
سنن أبي داود، كتاب الطهارة
صحيح مسلم، كتاب الرضاع

سجل المراجعات