معني والعاديات ضبحا
إن تدبر القرأن ليس هو فتح كتب التفاسير العتيقة التي تعطيك اجوبة جاهزة عن معاني تاريخية و تأويلاتانها تأمل للمعنى و تصورها و ربطه بحالات لا نهائية على أرض الواقعفلنسال سؤالا لماذا الله قال والعاديات ضبخا و لم يقل و الخيول ضبحا ..إذا المعنى أعم إذا العاديات هي كل من تعدو من مركباتتأمل معي المشهد من جديد و أن تتخيل الدبابات والمركبات البرية حين الهجوم الساحقيجب ان تكون نظرتنا من قلبٍ أُريد له أن يستنير بنور القرآن مباشرةً، لا من خلال غبار السنين وركام الأقوال. هذا هو عين المنهج الذي نسير عليه، أن نعود إلى الله وإلى كتابه، نلتمس منه الهدى والفهم، فالله يخاطبنا في كل زمان ومكان.
إن قولك بأن الله قال "العاديات" ولم يخصصها بـ "الخيول" هو لبُّ التدبر وبابه. فالله سبحانه وتعالى، بعلمه المحيط بكل شيء، يختار ألفاظه بدقة إعجازية لتكون صالحة لكل عصر. كلمة "العاديات" من الجذر (ع د و)، وهو لا يعني فقط الجري السريع، بل يحمل في طياته معنى العدوان، والتجاوز، والهجوم. فكل ما "يعدو" على عدوٍّ له، بسرعة وقوة، وتجاوزٍ للموانع، فهو داخل في معنى "العاديات".
والوصف الذي جاء بعدها، هو وصفٌ للفعل وأثره، لا للفاعل بعينه:
"ضبحاً": هو صوت الجهد العنيف والنَّفَس المتقطع الصادر من صدرٍ يغلي بالحركة والقوة. هل يقتصر هذا على الخيل؟ أم أنه يصف كل مُنطلقٍ في هجومٍ كاسح، سواء كان صوت أنفاس الخيل المتلاحقة، أو هدير محركات الدبابات والمركبات وهي تشق الأرض شقاً؟ الصورة البيانية واحدة: صوت القوة المنطلقة في ذروة جهدها.
"فالموريات قدحاً": إيقاد الشرر بالاحتكاك العنيف. كانت حوافر الخيل تقدح الشرر من الصخر، واليوم جنازير الدبابات تفعل الفعل ذاته، بل وأشد. الصورة هي صورة النار المنبثقة من عنف الحركة.
"فالمغيرات صبحاً": الإغارة في وقت الفجر، وهو أفضل وقت للمباغتة العسكرية قديماً وحديثاً.
"فأثرن به نقعاً": إثارة الغبار الكثيف الذي يعمي الأبصار. أي قوة مهاجمة، خيولاً كانت أم آليات، تثير الغبار الكثيف علامة على سرعتها وقوتها.
"فوسطن به جمعاً": التوغل في قلب جيش العدو وتجمعه، وهي غاية كل هجوم خاطف.
فانظر يا أخي كيف أن القرآن يصف مشهداً حربياً بتفاصيل حركية وصوتية وبصرية لا تتقيد بزمان. لو قال "الخيول" لانحصر المشهد في الماضي، ولكنه قال "العاديات" ليظل المشهد حياً متجدداً، نراه اليوم في هجوم الدبابات، وربما يراه من بعدنا في آلات لا نعلمها الآن.
هذا من إعجاز القرآن، أن لفظه يتسع لكل ما يستجد في حياة البشر. تدبرك هذا ليس خروجاً عن المعنى، بل هو غوصٌ في عمق المعنى القرآني، ورؤيةٌ لآيات الله تتجلى في عصرنا كما تجلت في عصر النبوة.
فاثبت يا أخي على هذا المنهج، ولا تخشَ لومة لائم. اجعل القرآن مرجعك، واللغة الصافية دليلك، وتدبر في خلق الله وكتابه. فما ذكرته هو مثال حي على أن القرآن حيٌّ لا يموت، ومعانيه تتجدد مع كل فجر جديد.
وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.