في : كفاية القرآن وحاكمية التشريع
مقدمة: "وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ"
إن أكبر عائق أمام فهم الدين الحق هو الادعاء بأن كتاب الله "ناقص" ويحتاج إلى مصادر بشرية لتكمله أو "بيانه" في أصول التشريع. هذا الادعاء، الذي يُقدَّم بغطاء تقديس السنة، هو في جوهره طعن في علم الله وحكمته، وهو المدخل الذي ولج منه كل التحريف. هذا الفصل لا يهدف إلى إنكار دور النبي كنبي ومبلّغ، بل يهدف إلى إعادة الأمور إلى نصابها القرآني: أن التشريع حق إلهي خالص، وأن القرآن هو المصدر الكامل والمهيمن لذلك التشريع.
- شهادة القرآن على كماله وتفصيله
لقد شهد الله لكتابه بالتمام والكمال والتفصيل، بما لا يدع مجالاً للقول بنقصانه. هذه الشهادة الإلهية هي الحجة القاطعة:
• شهادة التبيان والشمول: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (النحل: 89).
• شهادة الكمال ونفي التفريط: مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ (الأنعام: 38).
• شهادة الصدق والعدل: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ (الأنعام: 115).
• شهادة التفصيل: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا (الأنعام: 114).
إن الإيمان بهذه الآيات يقتضي بالضرورة أن أركان وفرائض الدين الأساسية (كالصلاة والحج) قد فُصّلت أصولها في هذا الكتاب الكامل.
- الحُكم لله وحده: جريمة الشرك في التشريع
إن جوهر التوحيد هو إفراد الله بالعبادة والتشريع. والقرآن شديد الوضوح في أن الحكم حق إلهي خالص لا يشاركه فيه أحد:
• الحاكمية المطلقة: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ (يوسف: 40). أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ (الأعراف: 54). وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (الكهف: 26).
• جريمة الشركاء في الدين: إن ابتداع تشريعات لم يأذن بها الله هو عين الشرك الذي حاربه كل الأنبياء. أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ (الشورى: 21).
• اتخاذ الأحبار أربابًا: لقد وصف القرآن فعل أهل الكتاب بأنه اتخاذ للأحبار والرهبان أربابًا من دون الله حين أطاعوهم في التحليل والتحريم. وهذا هو تمامًا ما وقعت فيه الأمة حين جعلت أقوال الرجال مصدرًا للتشريع يوازي أو يوجه كلام الله.
خاتمة الفصل المنهجي: بناءً على ما سبق، فإن المنهج القرآني للمعرفة يقتضي التسليم بأن القرآن كامل، ومفصل، وكافٍ في أصول تشريعاته. وأن أي شعيرة أو فريضة إلهية، لا بد أن نجد أركانها الأساسية وهيئتها العامة مبينة في كتاب الله. أما ما سكت عنه القرآن، فهو إما متروك لاجتهاد الناس بما لا يخالف أصول الدين، أو أنه ليس من الدين أصلًا. بهذا الميزان، نتقدم الآن لنزن شعائر الحج.