رسالة إلى كل باحث عن الحق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: 16]
إن كل خطابات الله للمؤمنين في القرآن تأتي دائمًا بصيغة الجمع ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، ولم ترد مرة واحدة بصيغة ﴿يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ﴾. هذا وإن دلّ فإنما يدل على أن أوامر الاعتصام بحبل الله والاجتماع وتحقيق حقيقة التآلف وتحديد محل الاجتماع، هي الواجب المبدئي والأولى والأساسي، السابق لأي أوامر أخرى بعد الإيمان. بل إن فهم الإيمان ذاته يعتمد كمال حقيقته على هذه البيئة الجمعية.
تأمل معي قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ...﴾ [الحشر: 9]. لطالما تعجبتُ كيف يسبق اللهُ وصف الإيمان لأنصار المدينة قبل المهاجرين إليهم، رغم أن المهاجرين هم من سبقوا إلى الأصول النظرية للإسلام! لقد استوقفتني هذه الآية كثيرًا وأعدت قراءتها مرارًا، حتى أدركتُ أن تصورنا عن الإيمان هو تصورٌ مغلوطٌ في أصله. الإيمان ليس كلامًا نظريًا يُكتب ويُتناقل، بل هو حقيقة تُقام على الأرض، وحكمٌ يعلو ولا يُعلى عليه، قلوبٌ مؤمنة تعيش في ظلاله، وجوارح عاملة تسير تحت قانونه.
لذلك، فإن الاستنارة الكاملة، والفهم الأمثل، والتكليف الحقيقي، والتطبيق المهتدي، إنما يكون محلها في الوعي الجمعي للجماعة المؤمنة. ولا شك أن كل التكاليف العامة في الاقتصاد والشرائع، بل وتمام الشعائر كالصلاة والصيام، تتم في صورتها المثلى بشكل جماعي، حتى وهي في أصلها عبادات فردية. إن تعاضد المؤمنين وتكافلهم وتآلفهم واجتماعهم على صراط مستقيم قد صار فريضة غائبة.