عودة المسلمين لميقات رب العالمين

الفصل الأول: جريمة "الفرقة الناجية" - كيف حوّلوا رحمة الله إلى صنمٍ حصري؟

الفصل الأول: جريمة "الفرقة الناجية" - كيف حوّلوا رحمة الله إلى صنمٍ حصري؟

مقدمة: الوهم الأعظم و"صكوك الغفران"

يا كل باحث عن الحق، ما من فتنة أصابت أمة أوتيت الكتاب أشد فتكًا من فتنة "الفرقة الناجية". إنها الوهم المريح، والمخدر الروحي الذي يمنح أتباعه شعورًا زائفًا بالأمان والاستعلاء، بينما هو في حقيقته أخطر أبواب الشرك بالله. إنه الشرك الذي لا يتخذ حجرًا أو بشرًا، بل يتخذ من "رحمة الله" نفسها صنمًا، فيزعم طائفة من الناس أنهم وحدهم من يملكون مفاتيحه، وأنهم وحدهم "المالكون لصكوك الغفران"، وأن كل من سواهم هالكون لا محالة.

إن هذا الفكر، يا أخي، ليس مجرد خطأ في العقيدة، بل هو إعلان حرب على أسماء الله الحسنى وصفاته العليا. إنه اتهام مبطن لله -حاشاه- بالظلم والمحاباة والعصبية، وهو نقيض ما وصف به نفسه في كتابه بأنه "رب العالمين".

الميزان القرآني: الحكم لله وحده لا للفرق والأحزاب

إن أول ما يهدم هذا الصنم هو صوت القرآن الصريح، الذي يعلن في وضوح لا لبس فيه أن الحكم والفصل بين الناس في مصائرهم هو حق إلهي خالص، لم يفوّضه الله لفرقة ولا لمذهب. تأمل معي يا أخي كيف ينسف القرآن هذا الغرور من جذوره:

[cite_start]﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [cite: 2-113]

الله أكبر! إن القرآن يصف هذا الادعاء الحصري بالحق بأنه "قول الذين لا يعلمون". فكل فرقة تزعم أن من خالفها "ليس على شيء"، إنما تردد ببغائية مقولة أهل الجهل والضلال، وتنازع الله في حقه الذي اختص به نفسه: "فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

بل إن الله يذهب إلى أبعد من ذلك، فيؤكد أن النجاة ليست بالأسماء ولا بالانتماءات، بل بالإيمان والعمل الصالح، وهو باب مفتوح لكل البشرية:

[cite_start]﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [cite: 2-62]

نفسية الصنم: غرور الاستحقاق وشرك الاستعلاء

لماذا إذن تتمسك الفرق بهذا الوهم المدمر؟ لأن هذا الصنم يغذي فيهم أخطر أمراض النفس البشرية:

  • الغرور والاستعلاء: إنه يمنحهم شعورًا بالأفضلية الزائفة. فبدلًا من أن يكون الدين دافعًا للتواضع والرحمة، يصبح أداة للكبر والازدراء. فينظر أحدهم إلى المخالف له نظرة احتقار، لا كنفس بشرية قد تكون عند الله خيرًا منه، بل كوقود لجهنم لا يستحق إلا اللعنة.
  • عصبية الجاهلية: إنه ليس إلا الوجه الديني للعصبية القبلية البغيضة. "نحن قوم الله المختارون"، "نحن أهل السنة والجماعة"، "نحن شيعة آل البيت". [cite_start]كلها شعارات تخفي وراءها ذات المنطق الجاهلي: الولاء للعصبة لا للحق، فتجدهم ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [cite: 23-53].
  • عبادة الأحبار: إن أخطر ما في هذا الفكر هو أنه يحول "علماء الفرقة" إلى أرباب من دون الله. فما دام أن النجاة محصورة في اتباع منهجهم، فإن أقوالهم وتفسيراتهم تصبح هي "صراط النجاة"، ومن خالفها فقد خالف الله. [cite_start]وهذا هو عين ما حذر منه القرآن: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ...﴾ [cite: 9-31].

الخاتمة: كسر الصنم والعودة إلى رحمة الله الواسعة

أخي في الله، إن دين الله أوسع من مذاهبهم، ورحمته أعظم من تصوراتهم. إن الجنة ليست ضيعة ورثوها عن آبائهم ليوزعوا صكوكها على من يشاؤون. والنجاة ليست بالانتماء لفرقة، بل بالانتماء لله وحده.

إن منهجنا الذي نهتدي به من كتاب الله هو هدم هذا الصنم، والكفر بهذه الفرقة الناجية المزعومة، والإيمان بأن:

  • النجاة رحمة وليست استحقاقًا: لا يدخل أحد الجنة بعمله، بل برحمة الله التي وسعت كل شيء.
  • الحكم لله لا للبشر: نحن نبرأ من المناهج الباطلة، ونبين الحق بالحجة، ونترك الحكم على مصائر العباد لرب العباد.
  • المؤمنون أمة واحدة: كل من أسلم وجهه لله وهو محسن فهو أخ لنا، وإن اختلف معنا في فرع أو أصل اجتهادي.

فلنكسر هذا الوثن في قلوبنا وعقولنا، ولنعلنها صريحة مدوية: لا فرقة ناجية إلا من اتقى وأصلح وأسلم وجهه لله. ولا مالك لصكوك الغفران إلا الله وحده، الغفور الرحيم. وذلك هو دين القيمة.

سجل المراجعات